وقوله (غَيْرَ مُسْمَعٍ) يقال على وجهين : أحدهما : دعاء على الإنسان بالصمم (١). والثاني : دعاء له (٢) ، فقد تعورف قوله : أسمعته ؛ في السب ، وروي أن أهل الكتاب كانوا يقولون ذلك ، يرون أنهم يعظمون النبيّ ، وأنهم يدعون له ، لأن قولهم (سَمِعْنا وَعَصَيْنا) يقتضي ظاهره : أنا قد عصينا من أمرتنا بعصيانه ، واسمع غير مشتوم ؛ وحافظنا ، وهم يقصدون بقولهم (وَعَصَيْنا) أنا عصيناك ، واسمع لا سمعت ، وراعنا أي راعنا (٣) ، وذلك شتم فيما بينهم (٤) ، فذكر تعالى أن ذلك ليّ
__________________
(١) ذكر هذا الوجه ابن جرير في جامع البيان (٨ / ٤٣٣) ، وابن عطية في المحرر الوجيز (٤ / ١٣٨ ، ١٣٩) ، والقرطبي في الجامع (٥ / ٢٤٣).
(٢) أي لا أسمعت مكروها. انظر : البحر المحيط (٣ / ٢٧٥). أو اسمع غير مأمور أو غير صاغر. انظر : المحرر الوجيز (٤ / ١٣٨) ، وأنوار التنزيل (١ / ٢١٧).
(٣) من الرعونة. قال ابن جرير : «وقد حكي عن الحسن البصري أنه كان يقرؤه (راعنا) بالتنوين بمعنى : لا تقولوا قولا راعنا ، من الرعونة وهي الحمق والجهل. وهذه قراءة لقراءة المسلمين مخالفة ...» جامع البيان (٢ / ٤٦٦) عند تفسير قوله تعالى (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقُولُوا راعِنا) .. الآية. وانظر : معاني القرآن وإعرابه للزّجّاج (٢ / ٥٨) ، تفسير القرآن العظيم لابن أبي حاتم (٣ / ٩٦٦).
(٤) ذكر أبو حيان أنهم كانوا يفتلون بألسنتهم ما يضمرونه من الشتم إلى ما يظهرونه من التوقير نفاقا. وقال ابن عطية : «وهذا اللّي باللسان إلى