الذي جعله خاصّا منهما ، فيقتضي أن ما دون الشرك كله يغفر ، لكن يغفر لبعض دون بعض ، واشتراط (لِمَنْ يَشاءُ) لئلا يقرر أن ذلك عامّ للمشرك وغير المشرك ، فصار قوله : (لِمَنْ يَشاءُ) عبارة عن غير المشركين (١) ، وقولهم : إن الكبائر دون الشرك لو صح غفرانها لم يثبت فيها اللعن ولا الحد على وجه النكال ليس بشيء ، فليس في ذكر اللعن ما يقتضي أن لا يغفر لصاحبه ، وأما النكال في الدنيا فتعلّقهم به جهل أو تجاهل ، لأن موضوع النكال ليكون قمعا للمنكّل به عن معاودته وقمع غيره عن أن يحذو حذوه ، وليس ذلك من عقوبة الآخرة في شيء ، بل قد قيل هو مسقط لعقوبة الآخرة ، لقوله صلىاللهعليهوسلم : «الحدود كفّارات لأهلها» (٢) ،
__________________
(١) ذكر ابن عطية أن هذه الآية أبطلت قولي المعتزلة والمرجئة ، «وذلك أن قوله تعالى : (إِنَّ اللهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ) فصل مجمع عليه ، وقوله (وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ) فصل قاطع بالمعتزلة ، رادّ على قولهم ردّا لا محيد عنه. ولو وقفنا في هذا الموضع من الكلام لصحّ قول المرجئة ، فجاء قوله (لِمَنْ يَشاءُ) رادّا عليهم ، موجبا أن غفران ما دون الشرك إنما هو لقوم دون قوم ، بخلاف ما زعموه من أنه مغفور لكل مؤمن. ثم قال : «ورامت المعتزلة أن تردّ هذه الآية إلى قولها بأن قالوا : (من يشاء) هو التائب ، وما أرادوه فاسد ، لأن فائدة التقسيم في الآية كانت تبطل ، إذ التائب من الشرك يغفر له» المحرر الوجيز (٤ / ١٤٣ ، ١٤٤).
(٢) رواه بمعناه البخاري في كتاب الحدود ، باب «الحدود كفارة» رقم