بالحجة على التكليف ؛ لما مرت الإشارة إليه (١) من عدم استقلال العقل بها إلا بعدهما.
وأما البراءة النقلية (٢) : فقضية إطلاق أدلتها (٣) وإن كان (٤) هو عدم اعتبار الفحص في جريانها كما هو (٥) حالها في الشبهات الموضوعية ؛ ...
______________________________________________________
وعليه : فلا يستقل العقل بقبح المؤاخذة قبل الفحص ؛ إذ لا يتحقق موضوع حكم العقل إلا بالفحص.
وكيف كان ؛ فالعقل يقول : إن للمولى وظيفة وللعبد وظيفة أخرى ، فوظيفة المولى هو بيان تكليف بنحو متعارف ، ووظيفة العبد هو الفحص عن بيان المولى في مظانه ، فإذا لم يجد البيان يحكم العقل بعدم العقاب على التكليف الواقعي بقاعدة قبح العقاب بلا بيان.
(١) أي : مرّ ذلك في الدليل الرابع من أدلة البراءة «من عدم استقلال العقل بها» أي : بالبراءة «إلا بعدهما» ، أي : بعد الفحص واليأس.
هذا تمام الكلام فيما يعتبر في الرجوع إلى البراءة العقلية ، فإنها لا تجري في الشبهات الحكمية إلا بعد الفحص ؛ لأن موضوعها وهو عدم الدليل على الحكم لا يحرز إلا بالفحص عنه الموجب للاطمئنان بعدمه.
(٢) وهي المستندة إلى الأدلة الشرعية.
(٣) كأحاديث الرفع والحجب والسعة وغيرها المتقدمة في أصل البراءة ، حيث إن تلك الأدلة لم تقيد بالفحص ، فمقتضى إطلاقها جواز إجراء البراءة ولو قبل الفحص وعدم اعتباره في جريانها في الشبهات الحكمية ، كما هو حال البراءة النقلية في الشبهات الموضوعية.
وكيف كان ؛ فمقتضى إطلاق أدلة البراءة الشرعية هو جواز إجرائها ولو قبل الفحص ، فلا بد في رفع اليد عن هذا الإطلاق وتقيده بما بعد الفحص من دليل مقيد ، ولذلك ذكر الأصحاب وجوها وهي : الإجماع والعقل والآيات والروايات ، وستأتي الإشارة إلى هذه الوجوه في كلام المصنف فانتظر.
توضيح بعض العبارات طبقا لما في «منتهى الدراية».
(٤) الأولى أن يقال : «وإن كانت هي».
(٥) أي : عدم الاعتبار ، وضمائر «حالها ، جريانها ، أدلتها» راجعة على البراءة النقلية ، وظاهر كلامه : عدم اشتراط جريان البراءة الشرعية في الشبهات الموضوعية بالفحص ، وذلك لإطلاق حديث الرفع ، حيث إن ما دل على اعتبار الفحص فيها إنما هو بالنسبة