تعبدا (١) ؛ بل إما رجاء واحتياطا ، أو اطمئنانا بالبقاء أو ظنا به ولو نوعا (٢) ...
______________________________________________________
منهم لم يرسل الأموال الخطيرة إليه قطعا ؛ لزوال اطمئنانه ـ بل ظنه ـ بالبقاء وقد يكون منشؤه الغفلة عن شكه الفعلي في بقاء ما كان ؛ كما إذا غيّر مسكنه وغفل عنه ، فإنه قد يسلك الطريق إلى داره الأولى. وهذا في الحيوانات أظهر لأجل عادتها الحاصلة من تكرار الفعل السابق ، ومع تبدل عادتها لا ترجع إلى محلها الأول إلّا لأجل الغفلة.
وعليه : فليس من ارتكازيات العقلاء العمل تعبدا بالمتيقن السابق في ظرف الشك في بقائه كي يتجه الاستدلال به على اعتبار الاستصحاب.
الثاني : ما يرجع إلى منع المقدمة الثانية ، أعني : تحقق شرط الاعتبار ، وحاصله : أن حجية هذا البناء العقلائي ـ كسائر موارده كبنائهم على العمل بخبر الثقة ـ منوطة بالإمضاء ولو بعدم الردع ، لكنه ممنوع ؛ إذ لا دليل على الإمضاء ، بل دل على الردع عنه طائفتان من الأدلة :
الأولى : ما دل بالعموم على ردعه ، وعدم اعتباره كالآيات والروايات الناهية عن العمل بغير العلم ، كقوله تعالى : (وَلا تَقْفُ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ)(١) وهي شاملة للمقام ؛ إذ المفروض : زوال اليقين ببقاء الحالة السابقة ، وغاية ما يمكن دعواه : وجود الظن باستمرارها ، ومن المعلوم : أن كل ما ليس بعلم موضوع للنهي عن اتباعه.
الثانية : ما دل من الكتاب والسنة على كون المرجع في الشبهات أصالة البراءة كما هو مذهب الأصوليين ، أو أصالة الاحتياط كما هو مذهب الأخباريين ، فإن إطلاق أدلة البراءة يشمل ما إذا كان الشك في ثبوت التكليف مسبوقا بالعلم به وغير مسبوق بالعلم به ، فمثل : «رفع ما لا يعلمون» ينفي ظاهرا وجوب صلاة الجمعة المعلوم وجوبها حال حضور الإمام المعصوم «عليهالسلام» وبسط يده ، والمشكوك بقاؤه حال الغيبة لاحتمال كون حضوره «عليهالسلام» مقوّما لوجوبها.
وكذا أدلة الاحتياط الآمرة بالوقوف عند الشبهة ، فإنها بإطلاقها تقتضي الأخذ بالحائطة للدين ، سواء كان الشك مسبوقا بالعلم بالتكليف أم لم يكن.
وقد تحصل : أن بناء العقلاء على الأخذ باليقين السابق ـ على تقدير تحققه ـ يكون مردوعا عنه ، فلا عبرة به لإثبات حجية الاستصحاب.
(١) لما عرفت من : عدم ابتناء عمل العقلاء على التعبد.
(٢) أي : الظن بالبقاء الحاصل للنوع وإن لم يحصل لهذا الشخص بالخصوص ،
__________________
(١) الإسراء : ٣٦.