.................................................................................................
______________________________________________________
ومحصل ما أفاده حول المادة : أن النقض الذي هو ضد الإبرام والإحكام إنما أسند إلى نفس اليقين الذي هو أمر مبرم وشيء مستحكم ؛ لكونه أقوى مراتب الإدراك ، لما فيه من الجزم المانع عن احتمال النقيض ، فهو مما يعتقد ببقائه واستمراره ، بخلاف الظن ، فإنه لا يظن باستمراره ؛ بل يظن بزواله.
وبالجملة : فلا حاجة إلى جعل «النقض» مسندا إلى «المتيقن» حتى يقال بعدم صحة إسناده إليه إلا إذا كان المتيقن مما فيه اقتضاء البقاء والدوام ؛ لكونه أقرب المجازات إلى المعنى الحقيقي ؛ بل المسند إليه هو نفس اليقين الذي فيه معنى الإبرام والاستحكام ؛ لما في شرح الإشارات من أن «اليقين هو التصديق بطرف مع الحكم بامتناع الطرف الآخر ، ويعتبر فيه أمور ثلاثة : الجزم ، المطابقة ، والثبات». وعليه : فلا نظر إلى المتيقن حتى يعتبر فيه اقتضاء الدوام.
ويشهد لكون المصحح للإسناد هو اليقين نفسه لا متعلقه المقتضي للبقاء أمور :
أولها : ظهور القضية في ذلك لإسناد النقض فيها إلى نفس اليقين.
ثانيها : أنه لو كان مصحح إسناد النقض إلى اليقين قابلية المتيقن للبقاء لا إبرام اليقين لصح إسناده إلى الحجر الذي يقتضي ثقله بقاءه في مكانه ، بأن يقال : «نقضت الحجر من مكانه» أي : رفعته ، مع عدم صحته وركاكته بلا إشكال.
وعليه : فمصحح الإسناد ثبات اليقين واستحكامه لا غيره.
ثالثها : صحة إسناد النقض إلى اليقين مطلقا وإن تعلق بأمر لم يحرز اقتضاؤه للبقاء ، ولذا يصح أن يقال : «لا تنقض اليقين باشتعال السراج بالشك فيه» ، حتى إذا لم يحرز اقتضاؤه للبقاء ، كما إذا لم يعلم أن النفط الموجود في السراج كان ليترا واحدا أم نصف ليتر ، فعلى الأول : يكون السراج مشتعلا فعلا ، والشك في اشتعاله حينئذ ينشأ من احتمال رافع له كهبوب الرياح وغيرها ، وعلى الثاني : لا يكون مشتعلا ؛ لفناء الوقود.
وعليه : فلا موجب لجعل المنقوض هو المتيقن الذي فيه مقتضى البقاء والدوام ، بدعوى : كونه أقرب إلى المعنى الحقيقي أعني : الأمر المبرم الحسي ، فيتعين إرادته إذا دار الأمر بينه وبين إرادة مطلق رفع اليد عن شيء ولو لعدم المقتضى له. وذلك لما عرفت من : صحة إسناد النقض إلى نفس اليقين ؛ بل هو المتيقن لأنه ظاهر القضية كما عرفت ، وإذا كان الإسناد بلحاظ نفس اليقين لا المتيقن صحت دعوى عموم اعتبار الاستصحاب للشك في كل من المقتضى والرافع.