وأما الهيئة : فلا محالة يكون المراد منها النهي عن الانتقاض بحسب البناء والعمل (١) لا الحقيقة ؛ لعدم (٢) كون الانتقاض بحسبها تحت الاختيار ، سواء كان
______________________________________________________
الطهارة : فلما تقدم في آثار المتيقن من عدم كون الأحكام الشرعية تحت قدرة المكلف واختياره.
وبالجملة : فالنقض الحقيقي غير مراد هنا قطعا ، سواء أريد باليقين نفسه كما هو ظاهر القضية ، أم المتيقن من باب المجاز في الكلمة ، أم آثار المتيقن بالإضمار وتقدير «آثاره» ؛ بأن يكون قوله «عليهالسلام» : «لا تنقض اليقين» بمنزلة قوله : «لا تنقض آثار المتيقن» ، فيكون هنا مجازان أحدهما في الكلمة ؛ لأنه استعمل اليقين في المتيقن ، والآخر في الحذف وهو تقدير «الآثار» المضاف إلى اليقين الذي أريد به المتيقن.
وإذا ثبت عدم كون النقض حقيقيا على كل تقدير ، فلا محالة يراد به النقض من حيث العمل ؛ لأنه مما يمكن تعلق النقض به ؛ إذ مرجع عدم النقض حينئذ إلى عدم رفع اليد عن العمل السابق الواقع على طبق اليقين ، فكأنه قيل : «أبق عملك المطابق لليقين» وهذا المعنى قابل لتعلق الخطاب به ؛ لأنه في حال اليقين بالوضوء كان يصلي ويطوف ويمسّ كتابه المصحف مثلا ، وفي حال الشك يبقي هذه الأعمال.
ولا فرق في إرادة إبقاء العمل من «لا تنقض» بين إرادة المتيقن من «اليقين» ، وإرادة آثار اليقين ، وإرادة آثار المتيقن منه.
وقد ظهر من هذا البيان : أن الإبقاء من حيث العمل لا فرق فيه بين تعلق اليقين بما فيه اقتضاء البقاء وتعلقه بما ليس فيه ذلك ؛ لوضوح : صدق الإبقاء عملا في كلتا الصورتين على حد سواء في نظر العرف.
وعليه : فمن حيث الهيئة أيضا لا سبيل لاستفادة اختصاص حجية الاستصحاب بالشك في الرافع. هذا وقد اتضح أيضا : عدم الوجه في التصرف في «لا تنقض» بإرادة المتيقن من اليقين ، أو الإضمار بإرادة آثار اليقين كما ذكره الشيخ ، بناء منه على كون النقض محمولا على معناه الحقيقي لو بنى على أحد هذين التصرفين. وذلك لما عرفت من : عدم كون النقض حقيقيا على كل تقدير ، فلا يجدي التصرف المزبور في صحة حمل النقض على معناه الحقيقي.
(١) عطف تفسيري للبناء ، كما قد يعبر عنه أحيانا بالبناء العملي الذي هو المطلوب في الاستصحاب وسائر الأصول العملية ، دون البناء القلبي والالتزام النفساني.
وضمير «منها» راجع على «الهيئة» و «بحسب» متعلق ب «الانتقاض».
(٢) تعليل لقوله : «فلا محالة بكون ...» ، وضمير «بحسبها» راجع على الحقيقة.