فإن (١٤) النهي عن النقض بحسب العمل لا يكاد يراد بالنسبة إلى اليقين وآثاره ؛ لمنافاته (٢) مع المورد.
فإنه يقال : إنما يلزم (٣) لو كان اليقين ملحوظا بنفسه وبالنظر الاستقلالي ؛ لا ما إذا
______________________________________________________
(١) تعليل ل «لا محيص» وقد عرفت تقريبه بقولنا : «وذلك لأن اليقين في الصحيحة ...» الخ.
(٢) أي : لمنافاة النقض بحسب العمل مع مورد الصحيحة ، حيث يكون اليقين فيه طريقا محضا إلى الوضوء.
(٣) أي : إنما يلزم المنافاة مع المورد. وهذا دفع الإشكال ،
وحاصله : أن متعلق النقض وإن كان مفهوم اليقين الذي يقتضي الاستقلالية ، إلا إنه يكتسب الآلية والطريقية من مصاديقه الخارجية.
وبيانه : أن اليقين الخارجي بكل شيء يكون مغفولا عنه ؛ بحيث لا يرى المتيقن ـ بالكسر ـ إلا نفس المتعلق من دون التفات إلى الصورة الذهنية التي هي متعلق العلم حقيقة ؛ لكن المرئي وهو الصورة الذهنية ـ لمكان رؤية الخارج له ـ لا يرى إلا خارجيا ، نظير الصورة المنعكسة في المرآة ، فإن الرائي يرى نفسه وإن كان المرئي حقيقة هو ظله.
وبالجملة : فمصاديق اليقين كلها طرق وآلات لكشف متعلقاتها ، ولما كان وجود الطبيعي عين الأفراد ، فلا بد من كون الطبيعي كمصاديقه ليتحد معها وينطبق عليها ، فلا محالة تسري الآلية من المصاديق الخارجية إلى الطبيعي أعني اليقين الذي أسند إليه النقض ، فيكتسب اليقين الكلي من أفراده المرآتية والطريقية ، فيكون اليقين الكلي الذي يسند إليه النقض في ظاهر القضية ملحوظا طريقا. وبهذه العناية ينطبق نقض اليقين على المورد ، فكأنه قال : «لا تنقض المتيقن» ، وعلى هذا فالموضوع هو المتيقن لا اليقين.
ونظير المقام : النص الوارد في وجوب إعادة الصلاة على من استيقن أنه زاد فيها ، فإن الموضوع لوجوب الإعادة نفس زيادة الركن لا اليقين بها ، غاية الأمر : أن اليقين يوجب تنجزه.
ونظيره أيضا في المحاورات العرفية ما يقال : «إذا علمت بمجيء زيد فأكرمه» ، مع أن لب مراد المولى إكرام زيد على تقدير المجيء لا على العلم به ، وإنما يؤخذ العلم في الخطاب طريقا ومرآة لمتعلقه ، ولذا يقوم كل كاشف عن الواقع مقامه.
نعم ؛ قد يؤخذ اليقين موضوعا للحكم بحيث يكون هو تمام الموضوع أو جزؤه على تفصيل تقدم في مباحث القطع.