الخبر (١) : «هل تعلمت؟» ، فيقيد بها (٢) أخبار البراءة لقوة ظهورها في أن المؤاخذة
______________________________________________________
(١) وهو ما ورد في تفسير هذه الآية من «أن الله تعالى يقول للعبد يوم القيامة : عبدي ، أكنت عالما؟ هل علمت ، فإن قال : نعم قال له : فهلا عملت بما علمت؟ وإن لا ، قال : لا ، قيل له : هلا تعلمت حتى تعمل؟» (١).
(٢) أي : بالآيات والأخبار الدالة على وجوب التفقه والمؤاخذة على تركه إطلاق أخبار البراءة ؛ لما مر آنفا من شمولها لما قبل الفحص وبعده.
وغرضه «قدسسره» : التنبيه على أن النسبة بين تلك الآيات والأخبار وبين أدلة البراءة هي نسبة المقيد إلى المطلق ، فيقيد بها إطلاق أدلة البراءة ، لا أن النسبة بينهما هي التباين كما قد يتوهم ، بتقريب : أن مورد أخبار البراءة عدم العلم بالتكليف لا تفصيلا ولا إجمالا ، ومورد الآيات وأخبار وجوب التعلم والمؤاخذة على تركه ترك العلم فيما علم وجوبه مثلا ولو إجمالا ، فتكون واردة في الشبهات المقرونة بالعلم الإجمالي ، وأجنبية عن الشبهات البدوية التي هي مورد أصالة البراءة ، فلا موجب لتقييد إطلاق أدلة البراءة بها مع تباين نسبتهما ، فيكون هذا الوجه كالوجهين المتقدمين ـ وهما الإجماع والعقل ـ ضعيفا وغير صالح لتقييد إطلاق البراءة بلزوم الفحص ، وإناطة جواز العمل بالبراءة النقلية به.
قوله : «لقوة ظهورها» تعليل لقوله : «فالأولى الاستدلال» ودفع للتوهم المزبور ، وكان الأولى تقديم «لقوة ظهورها» على قوله : «فيقيد بها» ؛ لأن التقييد متفرع على إثبات ظهورها في كون الاحتجاج بترك التعلم حتى يتحد موردها مع مورد أدلة البراءة ويصح التقييد ، لورودهما معا في الشبهات البدوية وأخصيتها من أدلة البراءة.
وكيف كان ؛ فقد دفع التوهم المزبور بما محصله : أن تلك الآيات والروايات ظاهرة في كون المؤاخذة والذم على ترك التعلم فيما لم يعلم ، بل قوله «عليهالسلام» : في تفسير قوله تعالى : (فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبالِغَةُ) : «هلا تعلمت حتى تعمل» كالصريح في كون التوبيخ على ترك التعلم ، لا على ترك العمل فيما علم وجوبه حتى يكون مورده الشبهات المقرونة بالعلم الإجمالي ، دون الشبهات البدوية التي هي مورد أدلة البراءة. وأخبار المؤاخذة جلّها بل كلها في غاية الظهور في كون المؤاخذة على ترك التعلم ، لا على ترك العمل بما علم حكمه ، ودعوى : تواترها المعنوي قريبة جدا فلا حاجة إلى البحث عن إسنادها. فراجع الوافي بابي فرض طلب العلم وسؤال العلماء وتذاكر العلم. «منتهى الدراية ، ج ٦ ، ص ٤٠١ ـ ٤٠٢».
__________________
(١) أمالي المفيد : ٢٢٧ ، أمالي الطوسي ٩ / ١٠ ، بحار الأنوار ١ : ١٧٨ / ٥٨.