.................................................................................................
______________________________________________________
فحاصل الكلام في المقام الأول : أنه لا إشكال في ترتب العقاب على العمل بالبراءة قبل الفحص فيما إذا انكشف أنه مخالف للواقع ، وإنما الكلام في أنه على ترك التعلم مطلقا ولو لم يؤدّ إلى المخالفة ، أو أنه على ترك التعلم المؤدي إلى المخالفة ، أو أنه على مخالفة الواقع. فالأقوال فيه ثلاثة :
الأول : استحقاق العقاب مطلقا ، سواء صادف الواقع أم لا ، فلو شرب العصير العنبي من غير فحص عن حكمه ولم يكن حراما واقعا استحق العقوبة عليه ، وهذا القول منسوب إلى صاحب المدارك (١) وشيخه المحقق الأردبيلي (٢) «قدسسرهما» استنادا إلى قبح تكليف الغافل ، حيث إن الجاهل غالبا غافل عن الواقع حين فعل الحرام وترك الواجب ، فيكون العقاب على ترك التعلم ، وعليه : فوجوب التعلم نفسي يترتب على مخالفته العقوبة.
الثاني : استحقاقه على ترك التعلم المؤدي إلى المخالفة ، فلا يستحق العقوبة في المثال المذكور ، وذهب إليه الشيخ الأنصاري «قدسسره».
الثالث : استحقاق العقاب على مخالفة الواقع ولكن عند ترك التعلم والحفص ، وذهب إليه المشهور ، والمصنف «قدسسره» تبع المشهور ، والتزم باستحقاق العقوبة على مخالفة الواقع التي أدى إليها ترك التعلم والفحص لا على نفس ترك التعلم ، فإذا شرب العصير العنبي بدون الفحص عن حكمه وكان حلالا واقعا لا يستحق العقاب والمؤاخذة لعدم مخالفة حكم إلزامي واقعي ، والوجه فيه : أن مخالفة الواقع وإن فرض وقوعها حال الغفلة عن الواقع ؛ لكنها لما كانت مستندة إلى تقصيره في ترك الفحص والتعلم تنتهي إلى الاختيار ، ولا يقبح العقاب على ما ينتهي إلى الاختيار. ولذا يعاقب أكثر الجهال العصاة على ارتكاب المحرمات مع غفلتهم عن احتمال حرمتها حين الارتكاب ، فإن التفاتهم إجمالا قبل الارتكاب إلى احتمال حرمتها كاف في صحة العقوبة مع تمكنهم من الفحص والتعلم وتركهم له اختيارا ، والأخبار المتقدمة في مؤاخذة تارك التعلم أيضا تقتضي استحقاق العقوبة على مخالفة الواقع مع الشك فيه. هذا تمام الكلام في الأقوال. وأما منشأ اختلاف الأقوال فهو : أن وجوب التعلم هل هو نفسي ولو كان تهيئيا أو وجوب طريقي أو إرشادي محض.
__________________
(١) مدارك الأحكام ٢ : ٣٤٤.
(٢) مجمع الفائدة والبرهان ٢ : ١١٠.