ومنها : ما لا يكاد يتطرق إليه الجعل التشريعي إلّا تبعا للتكليف (١).
ومنها : ما يمكن فيه الجعل استقلالا بإنشائه وتبعا (٢) للتكليف بكونه (٣) منشأ لانتزاعه ؛ وإن كان الصحيح انتزاعه من إنشائه وجعله ، وكون التكليف من آثاره وأحكامه على ما يأتي الإشارة إليه.
اما النحو الاول (٤) : فهو كالسببية والشرطية والمانعية والرافعية ...
______________________________________________________
الحكم ببعض معانيه على الوضع ، وبين ما أفاده هنا من إخراج القسم الأول من الأحكام الوضعية طرا ، لأنها غير مجعولة لا استقلالا ولا تبعا ؛ إذ لا يتمشى صدق الحكم الشرعي على ما لا يقبل الجعل أصلا ؛ لكنه مندفع : بأن حقيقة الحكم الوضعي وإن كانت متقومة بأحد نحوي الجعل ؛ إلّا إن ذكر القسم الأول ـ الخارج عن الأحكام الوضعية حقيقة ـ إنما هو للمماشاة مع القوم ، حيث عدّوا السببيّة للتكليف مثلا من الوضعيات ؛ مع وضوح عدم صدق ضابط الحكم بمعنى المجعول الشرعي التأسيسي أو الإمضاء عليها ، ولأجل التنبيه على هذه النكتة قال المصنف «قدسسره» : «إن ما عد من الوضع على أنحاء ...» ، ولم يقل «الأحكام الوضعية على أنحاء ...».
(١) كانتزاع الجزئية لجزء المركب كالسورة من الصلاة ، فإن إيجاب مركب خاص يوجب قهرا اتصاف كل واحد من أجزائه بالجزئية للواجب.
(٢) عطف على «استقلالا» والجعل الاستقلالي في هذا القسم كأن يقول من بيده الاعتبار : «هذه الدار ملك لزيد» ، والتبعي كأن يقول : «يجوز لزيد أن يتصرف في هذه الدار بما يتوقف على مالكيته لها».
(٣) أي : بكون التكليف منشأ لانتزاع الوضع ؛ كانتزاع حجية الأمارة من وجوب العمل بها على ما قيل. والضمائر في «إنشائه ، إلى أحكامه» راجعة إلى الوضع.
(٤) وهو ما لا تناله يد التشريع لا أصالة ولا تبعا.
ومحصل ما أفاده فيه : أنهم اختلفوا في مجعولية سببية شيء للتكليف ـ وكذا أخواتها الثلاث ـ على أقوال ثلاثة :
الأول : أنها مجعولة بالاستقلال كما نسبه الشيخ إلى المشهور ، حيث قال : «إن الحكم الوضعي حكم مستقل مجعول كما اشتهر في ألسنة جماعة أولا» (١).
الثاني : أنها منتزعة عن التكليف المترتب على موضوعاتها كانتزاع السببيّة عن
__________________
(١) فرائد الأصول ٣ : ١٢٥.