.................................................................................................
______________________________________________________
الذي هو مورد الاستصحاب مفقود في أحكام الشرائع السابقة ؛ للقطع بارتفاعها بعد ورود هذه الشريعة حيث إنها ناسخة لتلك الشرائع ، ومع القطع بارتفاعها يختل ما هو قوام الاستصحاب أعني : الشك في البقاء.
وبالجملة : فلا مقتضي لاستصحاب عدم نسخ أحكام تلك الشرائع ، إما لعدم اليقين بالحدوث بناء على تعدد الموضوع ، وإما لعدم الشك في البقاء بناء على النسخ.
فالمتحصل : أن كلا ركني الاستصحاب من اليقين والشك مفقود ، وقد أشار إلى انتفاء الركن الأول بقوله : «إما لعدم اليقين بثبوتها في حقهم» وإلى انتفاء الركن الثاني بقوله : «فلا شك في بقائها أيضا» ، يعني : كاليقين بثبوتها. وقد أشار إلى جواب التوهم وفساده بقوله «وذلك ...» الخ.
ومحصل ما أجاب به عن هذا التوهم هو : أن اختلال اليقين مبني على تشريعها لأهل تلك الشريعة بنحو القضية الخارجية كقوله : «أكرم هؤلاء العشرة» حيث إن الموضوع حينئذ أشخاص معينون ، فتختص تلك الأحكام بالأفراد الموجودة حال تشريعها ، ولا تسري إلى غيرهم ؛ لأنه حينئذ من تسرية حكم موضوع إلى موضوع آخر ، وهو أجنبي عن الاستصحاب المتقوم بوحدة الموضوع ، فالإشكال على الاستصحاب من ناحية اختلال اليقين في محله.
وأما إذا كان تشريعها بنحو القضية الحقيقية بحيث لوحظ في مقام الجعل كلي المكلف الصادق على جميع أفراده المحققة والمقدرة كقوله تعالى : (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً)(١) فلا تختص أحكام شريعة بأهلها ؛ بل تعم غيرهم أيضا ، فإذا شك غير أهلها في نسخ حكم من تلك الأحكام جرى فيه الاستصحاب ؛ لكونه من أفراد طبيعي المكلف الذين شملتهم الخطابات الصادرة في تلك الشرائع ، فاليقين بثبوتها لأهل هذه الشريعة حاصل ، فلا يختل الركن الأول وهو اليقين بالثبوت ، فلا مانع من هذه الجهة من جريان استصحاب عدم نسخ حكم من أحكام الشرائع السابقة. وقد أشار الشيخ إلى هذا الجواب الذي جعله جوابا ثانيا بقوله : «وحله : أن المستصحب هو الحكم الكلي الثابت للجماعة على وجه لا مدخل لأشخاصهم فيه ، فإن الشريعة اللاحقة لا تحدث عند انقراض أهل الشريعة الأولى ؛ إذ لو فرض وجود اللاحقين في السابق عمهم الحكم ، ومثل هذا لو أثر في الاستصحاب لقدح في أكثر
__________________
(١) آل عمران : ٩٧.