لم يكن مجال فيه (١) لأصالة البراءة ، كما هو (٢) حالها مع سائر القواعد الثابتة بالأدلة الاجتهادية ؛ إلا إنه (٣) حقيقة لا يبقى لها مورد ، ...
______________________________________________________
والبراءة أصلا عمليا ، وقد ثبت في محله عدم المجال للأصل مع الدليل ، لوروده أو حكومته على الأصل كما سيأتي توضيحه إن شاء الله تعالى.
وإن كان مما لا تجري فيه قاعدة الضرر ، فلا مانع من جريان البراءة فيه ومجرد احتمال صغرويته لقاعدة الضرر لا يمنع عن جريان البراءة فيه مع فرض الفحص وعدم الظفر بدليل على حكم الضرر.
وبالجملة : فمع الظفر بالدليل الاجتهادي مطلقا من دليل الضرر وغيره من الأدلة الاجتهادية لا مجال للبراءة ؛ لعدم المقتضي لها ، حيث إن الدليل رافع لموضوعها ، فعدم جريانها مع الدليل إنما هو لعدم المقتضى ، لا لعدم شرطه ، ضرورة : أن الشرط متأخر رتبة عن المقتضى ، فلا يطلق الشرط إلا مع إحراز المقتضي ، ومع عدم المقتضي لا يطلق الشرط كالمقام.
فإن كان مراد الفاضل التوني من الاشتراط : أن جريان البراءة مشروط بعدم ترتب الضرر عليها ، ففيه أولا : أن إطلاق الشرط عليه لا يخلو من المسامحة ؛ لما مر آنفا من : أن عدم الجريان حينئذ مستند إلى عدم المقتضى ، لا إلى عدم الشرط.
وثانيا : أنه لا اختصاص للضرر ؛ بل جريان البراءة منوط بعدم الدليل الاجتهادي مطلقا من دليل الضرر وغيره ، كما أن عدم الجريان لا يختص بالبراءة ، بل كل أصل عملي يتوقف جريانه على عدم دليل اجتهادي في مورده.
(١) أي : في المقام الذي تجري فيه قاعدة الضرر.
(٢) يعني : كما أن عدم المجال لجريان البراءة مع قاعدة نفي الضرر حال البراءة مع سائر القواعد الثابتة بالأدلة الاجتهادية ، وضمير «حالها» راجع على أصالة البراءة.
(٣) الضمير للشأن ، وحاصله : أن أصالة البراءة وإن لم يكن لها مجال في موارد الضرر ، إلا إن عدم جريانها فيها ليس لأجل شرطية عدم قاعدة الضرر لجريان البراءة ؛ بل لعدم المقتضي لجريانها معها ؛ لما مر من أن دليل قاعدة الضرر كسائر الأدلة الاجتهادية يرفع الشك الذي هو موضوع أصل البراءة وغيره من الأصول العملية ، فالدليل الاجتهادي رافع لموضوع الأصل ولو ظاهرا كما هو مقتضى الأدلة غير العلمية ، فمع الدليل لا مقتضي لأصالة البراءة ؛ لا أن عدم الدليل شرط لجريان البراءة.