.................................................................................................
______________________________________________________
الضرر حقيقة ، ففي وعاء التشريع لا ضرر حقيقة ويسمى هذا التصرف بالمجاز في الكلمة ، ويعبر عنه : بأن الحكم الضرري لا جعل له ، فالضرر عنوان لنفس الحكم ومحمول عليه بالحمل الشائع ؛ كالحرج الذي هو عنوان الحكم ومنفي في الشرع ، كما هو مقتضى قوله تعالى : (ما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ) ، وهذا ما اختاره الشيخ الأنصاري «قدسسره» ، حيث قال : «إن المعنى بعد تعذر إرادة الحقيقة عدم تشريع الضرر ، بمعنى : أن الشارع لم يشرع حكما يلزم منه ضرر على أحد تكليفيا أو وضعيا ، فلزوم البيع مع الغبن حكم يلزم منه ضرر على المغبون فينتفي». «دروس في الرسائل ، ج ٤ ، ص ٢٢٧».
ومنها : إرادة نفي نوع من طبيعة الضرر حقيقة بنحو المجاز في الحذف بأن يقال : إن الضرر غير المتدارك لا جعل له شرعا ، فالمنفي هو الضرر لا مطلقا ؛ بل خصوص الضرر لا يجبر ولا يتدارك كإتلاف مال الغير بدون الضمان ، أو صحة البيع الغبني بدون جبران ضرر المغبون بالخيار ، فكل ضرر متدارك بجعل الشارع للضمان أو الخيار أو غيرهما ، وهذا مختار الفاضل التوني.
ومنها : جعل كلمة «لا» ناهية ؛ بأن يراد من «لا ضرر» : الزجر عنه وطلب تركه ، نحو قوله تعالى : (فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدالَ فِي الْحَجِ)(١).
إن قلت : «لا» الناهية تختص بالفعل المضارع ، فلا يصح أن يقال بأنها ناهية في المقام مع كونها داخلة على الاسم.
قلت : لا يكون المراد أنها ناهية باصطلاح أهل الأدب ؛ بل المراد أنها تكون مفيدة للزجر والنهي ؛ لأن الجملة المشتملة عليها مستعملة في نفي الضرر إخبارا أو إنشاء بداعي الزجر عنه.
ولكن هذا الحمل بعيد ، ويكون خلاف الظاهر منها ، كما أن حملها على نفي الصفة والضرر الغير المتدارك أيضا بعيد ؛ بل ركيك ، فيدور الأمر بين المجاز في الكلمة ، وبين الحمل على نفي الماهية ادعاء ، والظاهر أنهما يرجعان إلى معنى واحد ، وهو مختار المصنف «قدسسره» : فالنتيجة هي : أن دلالة الرواية على قاعدة ضرر واضحة.
وأما الجهة الثالثة : وهي النسبة بين قاعدة لا ضرر وبين الأدلة المتكفلة لأحكام الأشياء بعناوينها الأولية : فيكون بينهما عموم من وجه ، لأن الأدلة المتكفلة لأحكام الأشياء
__________________
(١) البقرة : ١٩٧.