كان ضرر الآخر أكثر ، فإن نفيه (١) يكون للمنة على الأمة ، ولا منّة على تحمل الضرر لدفعه عن الآخر ، وإن كان أكثر.
نعم (٢) ؛ لو كان الضرر متوجها إليه ليس له (٣) دفعه عن نفسه بإيراده على الآخر.
______________________________________________________
يجب قبول الولاية من الجائر مطلقا ، سواء كان الضرران متساويين ؛ كما إذا كان الضرر الوارد عليه من ناحية الجائر ـ على تقدير عدم قبول الولاية ـ مائة دينار ، وكان ضرر المسلمين بوسيلته مع فرض قبولها هذا المقدار أيضا. أم كانا متفاوتين ؛ لفقدان شرط جريان قاعدة نفي الضرر وهو الامتنان مطلقا.
والحاصل : أن المصنف «قدسسره» ذهب إلى أن التعارض في القسمين الأوليين يكون من باب التزاحم ، وفي القسم الثالث يكون من باب التعارض.
ثم إن ما أفاده المصنف «قدسسره» هنا من التفكيك بين ضرري شخص وشخصين بما عرفت توضيحه في الصور الثلاث تعريض بما أفاده الشيخ الأنصاري «قدسسره» من معاملة التعارض بينهما وإن كان المستفاد من كلامه في رسالته المستقلة (١) : إجراء حكم المتزاحمين على تعارض الضررين.
(١) تعليل لعدم لزوم تحمل الضرر عن الغير الناشئ عن جريان قاعدة نفي الضرر في ضرر الآخر ؛ إذ مقتضى نفيه عن الآخر هو : تحمل الضرر عنه.
ومحصل التعليل : أن قاعدة الضرر لا تجري في ضرر الغير ؛ لأن لازمه تحمل صاحبه عنه وهو خلاف الامتنان ، فلا تجري فيه وإن كان ضرره أكثر. وضميرا «نفيه ، لدفعه» راجعان على الضرر ، والضمير المستتر في «وإن كان» راجع على ضرر الآخر.
(٢) استدراك على قوله : «فالأظهر عدم لزوم» ، ومحصله : أن عدم لزوم تحمل الضرر عن الغير إنما هو فيما إذا كان الضرر دائرا بينهما ، وأما إذا كان الضرر متوجها إليه ابتداء : فلا يجوز له دفعه عن نفسه وتوجيهه إلى غيره ؛ كما إذا أكره الظالم زيدا على أن يدفع إليه من مال نفسه مائة دينار ، وأراد أن يوجه هذا الضرر إلى غيره ويدفعه عن نفسه ، أو توجه إليه الضرر بآفة سماوية كالسيل ونحوه ، فإنه ليس له دفعه إلى غيره ؛ بل عليه تحمل الضرر.
(٣) لأنه ظلم على الآخر وهو قبيح وحرام ؛ إذ المفروض : عدم توجه الضرر إلى الغير ، فتوجيهه إليه إنما هو من ناحية نفسه.
والحاصل : أن تحمل الضرر ليس لأجل جريان القاعدة في حق الغير حتى يقال
__________________
(١) منتهى الدراية ٦ : ٥٣٣.