أنه (١) لو كان الاستصحاب هو نفس بناء العقلاء على البقاء أو الظن به (٢) الناشئ من العلم بثبوته لما (٣) تقابل فيه الأقوال ، ولما (٤) كان النفي والإثبات واردين على مورد واحد ؛ بل موردين (٥). وتعريفه (٦) بما ينطبق على بعضها وإن كان ربما يوهم أن لا
______________________________________________________
(١) الضمير للشأن ، وهذا تعليل لقوله : «هو القابل لأن يقع ...» يعني : أن الاستصحاب بناء على كونه هو الحكم ببقاء حكم ... مجمع للأقوال المختلفة ، فنفس هذا الحكم بالبقاء ثابت عند بعض وغير ثابت عند آخر وهكذا.
وأما كونه موردا لتقابل الأقوال من جهة الدليل : فلما عرفته آنفا من : أنه إذا لم يكن الاستصحاب بمعنى «الحكم ببقاء حكم ...» لم تتقابل الأقوال فيه من ناحية دليل اعتباره ؛ إذ المثبت للاستصحاب بمعنى الحكم بالبقاء غير المثبت له بمعنى بناء العقلاء على الأخذ بالحالة السابقة ؛ لمغايرة الحكم الشرعي بالبقاء لبناء العقلاء.
(٢) أي : بالبقاء الناشئ هذا الظن من العلم بثبوت حكم أو موضوع ذي حكم.
(٣) جواب «لو كان» ، وضمير «بثبوته» راجع على «حكم أو موضوع ذي حكم».
(٤) عطف على «لما تقابل» ومفسر له ، وقد تقدم بيانه.
(٥) مع أن النزاع في أمر يقتضي معلومية مورد النزاع ، وعليه : فلا مناص من اختيار ما ذكره من التعريف دون سائر ما ذكروه.
(٦) أي : وتعريف الاستصحاب ، والمراد بالموصول في «بما ينطبق» تعريف الاستصحاب.
وغرضه من هذا الكلام : الاعتذار عن بعض تعاريف الاستصحاب بعد إثبات كون تعريفه الصحيح الذي يكون مجمعا للأقوال المتشتتة هو ما تقدم بقوله : «الحكم ببقاء حكم أو موضوع ...» الخ. فقوله : «وتعريفه بما ينطبق» إشارة إلى وهم ودفع ذكرهما في حاشية الرسائل أيضا في التعليق على تعريف الفاضل التوني للاستصحاب.
وأما الوهم فهو : أن تعريف الاستصحاب بأنه «التمسك بثبوت ما ثبت في وقت أو حال على بقائه» يوهم عدم كونه هو الحكم ببقاء حكم أو موضوع ذي حكم ؛ بل الاستصحاب هو نفس البناء العملي على الحالة السابقة لظهور «التمسك بثبوته ...» في أن الاستصحاب نفس الاعتماد على ثبوته السابق في إبقائه عملا ، مع عدم كون الاستصحاب نفس التمسك بثبوت ما ثبت ، بل ما به التمسك ؛ لأن الاستصحاب بناء على حجيته من باب الظن ـ كما هو مبنى التعريف المزبور ـ هو الظن بالبقاء أو الظن بالملازمة بين الثبوت والبقاء ، والمناسب له أن يقال : إنه التمسك بما ثبت بمعنى : إبقاء ما ثبت وعدم الانفكاك عنه عملا.