ما أوضحناه في محله : من أن القضايا الشرعية إنما تكون على نهج القضايا الحقيقة التي يفرض فيها وجود الموضوعات في ترتب المحمولات عليها ، فقبل وجود الموضوع خارجا لا مجال لجريان استصحاب عدم المجعول ، لأنه ليس رتبة وجوده ، بل الاستصحاب الجاري هو استصحاب عدم الجعل الأزلي ، وأما بعد وجود الموضوع وتحقق شرائط التكليف ، فالاستصحاب إنما يجري بالنسبة إلى نفس المجعول الشرعي وجودا وعدما ، فإنه إذا زال الزوال وشك المكلف في وجوب الصلاة عليه ، فالعدم الذي كان قبل الزوال هو عدم المجعول وهو المستصحب ، ولا معنى لاستصحاب عدم الجعل ، لأنه قبل الزوال ليس رتبة الجعل والانشاء فإنه أزلي رتبته سابقة على خلق العالم.
ومن المعلوم : أن عدم كل شيء إنما يكون في مرتبة وجود الشيء ، فقبل وجود الموضوع لا يجري إلا استصحاب عدم الجعل ، وبعد وجود الموضوع لا يجري إلا استصحاب عدم المجعول.
وإذا كان المستصحب هو العدم في حال الصغر السابق على البلوغ ، وهو الذي يعبر عنه باستصحاب البراءة الأصلية ، وذلك إنما يكون في التكاليف التي لم يعتبر في موضوعاتها قيد زائد على الشرائط العامة ، كما في أغلب المحرمات وبعض الواجبات.
فيرد عليه (١) : أن الثابت في حق الصغير ليس إلا عدم وضع قلم التكليف
__________________
١ ـ لا يخفى : أن هذا البيان إنما يتم في العدم السابق على رشد الصبي وتمييزه ، فإنه بعد الرشد والتمييز يمكن وضع قلم التكليف عليه ، كما وضع في حقه قلم التكليف الاستحبابي بناء على شرعية عبادات الصبي ، فعدم التكليف في حال التميز يمكن إسناده إلى الشارع ، ولذا لو شك في استحباب شيء عليه بعد البلوغ يصح استصحاب عدم الاستحباب الثابت في حال الصغر ، فهذا البيان لا يتم إلا ان يدعى القطع بتساوي الحالين وأن عدم التكليف الثابت في حال التمييز هو العدم الثابت في حال عدم التمييز من دون أن يكون هناك تصرف من قبل الشارع ، فتأمل جيدا ( منه ).