لمتعلق الامر؟ أو أنه لا يجب ذلك بل يبقى إطلاق كل من الأمر والنهي على حاله؟ ولا يخفى أن البحث عن المقام الثاني إنما يصح بعد البناء على أن تصادق العنوانين لا يقتضي أن يتعلق الامر بعين ما تعلق به النهي فلا يلزم اجتماع الضدين ، وإلا سقط البحث عن المقام الثاني بالمرة ، بداهة أنه لو بنينا في المقام الأول على الامتناع وأنه يلزم من تصادق العنوانين اجتماع الضدين ، فلا يبقى مجال للبحث عن أن وجود المندوحة يقتضي تقييد الاطلاق أو لا يقتضيه ، فان وجود المندوحة وعدمه لا دخل له باجتماع الضدين وعدمه ، لاستحالة الامر بالضدين ولو فرض محالا قدرة المكلف على الجمع بينهما ، لأنه لا يمكن ثبوتا تعلق الإرادة والكراهة والحب والبغض في شيء واحد ، وقد أوضحنا الكلام في ذلك بما لا مزيد عليه في مبحث اجتماع الأمر والنهي.
فلو بنينا على عدم كفاية تعدد الجهة وأنه يلزم من تصادق العنوانين أن يتعلق الامر بعين ما تعلق به النهي ، فلا محيص عن القول بتخصيص إطلاق الامر أو النهي بما عدا الفرد المجامع لمتعلق الآخر ، لكي لا يلزم اجتماع الضدين.
وحينئذ لو قدمنا جانب النهي ـ إما لكون دفع المفسدة أولى من جلب المصلحة ، وإما لكون الاطلاق فيه شموليا وإطلاق الامر بدليل والاطلاق الشمولي مقدم على الاطلاق البدلي ، أو غير ذلك من الوجوه التي ذكروها لتقديم إطلاق النهي وتخصيص إطلاق الامر بما عدا الفرد المجامع للمنهي عنه ـ فيكون النهي في باب اجتماع الأمر والنهي من صغريات النهي عن العبادة (١)
__________________
١ ـ أقول : لو كان موضوع البحث في النهي في العبادة اقتضاء النهي بوجوده الواقعي للفساد ، لا يكون ذلك إلا بتقيد مناط الامر بمورد النهي ، وحينئذ لا يكاد دخول النهي بمناط استحالة الاجتماع مع الامر في هذا الباب ، لبداهة عدم اقتضاء البرهان في هذا الباب تقيد المصلحة بغير مورد النهي ، ولذا نقول : إن النهي في باب الاجتماع ـ على القول بالاستحالة ـ بوجوده الواقعي لا يقتضي الفساد ، بل الفساد من لوازم تنجزه ، وبذلك يمتاز المسألتين عن الآخر ، ولا ربط لأحدهما بغيره ، فتدبر.