ولا يلزم من ذلك صحة العمل عند زوال صفة الجهل ، لما عرفت : من أنه بالعلم يتبدل الاستقلالي النفسي إلى الغيري القيدي ، فيصح العمل من الجاهل ولا يصح من العالم.
وتوهم : أنه كيف يمكن تبدل وصف الاستقلالية إلى الغيرية مع وضوح التنافي بين الوصفين فاسد ، فان التنافي بينهما يمنع عن اجتماعهما في محل واحد ، وليس المدعى هذا ، بل المدعى أن زوال صفة الجهل بالحكم يوجب زوال وصف الاستقلالية عن وجوب الجهر أو الاخفات والتلبس بوصف الغيرية ، هذا مع بقاء ملاك الاستقلالية ، لان التنافي إنما هو بين وصف الاستقلالية والغيرية ، لا بين الملاكين.
والحاصل : أن وصف الاستقلالية والغيرية كوصف الوجوب والاستحباب مما لا يمكن أن يجتمعا ، لتنافيهما ذاتا ، إلا أنه يمكن أن يطرء على الاستقلالية ملاك الغيرية ، فيكون الشيء واجبا بالغير بعدما كان واجبا بالاستقلال ، وتندك جهة الاستقلالية في الجهة الغيرية (١) كما تندك جهة الاستحباب في جهة الوجوب.
__________________
١ ـ أقول : الوجوب الذي تعلق به العلم قهرا يكون في الرتبة السابقة عن العلم ، فكيف يعقل اندكاكه بما يتحصل في الرتبة اللاحقة؟ بل لا محيص من وجود كل منهما في رتبة نفسه ، ويستحيل صيرورة العلم بالشئ للانقلاب عما هو عليه في مرتبة وجوده ، غاية الامر أمكن أن يحدث العلم وجودا آخر في الرتبة المتأخرة عن نفسه ، فلا جرم يبقى المعلوم في رتبة معلوميته بحاله ، ولازمه عند ترك الجهر في الصلاة الجهرية مع العلم بوجوب جهره العقابين : عقاب بترك الجهر المعلوم وجوبه نفسيا ، وعقاب لترك الصلاة المقيد به في الرتبة المتأخرة.
ولئن قيل : بأن الوجوب النفسي ظرفه الصلاة الصحيح ولو اتي في الرتبة المتأخرة. نقول : إن أريد من الظرف ما هو من قبيل الشرط لوجوبه ، فيلزم أن يكون وجوبه النفسي المعلوم مشروطا بوجوده ، وهو أفحش فسادا! وإن أريد مجرد الظرفية لامتثاله مع إطلاق وجوبه ، فيلزم التالي المزبور : من تعدد العقوبة ، ولو ترى بالنظر الانصافي تجد أن هذا الوجه غير قابل للتفوه به.