كلها انتزاعية لا تنالها يد الجعل التأسيسي والامضائي ، لا استقلالا كجعل وجوب ذي المقدمة ، ولا تبعا كجعل وجوب المقدمة.
أما الجزئية والشرطية والمانعية : فواضح أنها من الانتزاعيات ، سواء كان منشأ الانتزاع تكليفا أو وضعا.
فالأول : كالتكليف بعدة من الأمور المتباينة التي يجمعها وحدة الغرض ، فإنه من تعلق التكليف بكل واحد منها وانبساطه عليها تنتزع الجزئية والشرطية والمانعية حسب اختلاف كيفية تعلق التكليف بها ، وبعد انبساط التكليف عليها تنتزع الشرطية والجزئية والمانعية قهرا ، ولا يعقل بعد ذلك جعل شيء آخر جزء أو شرطا للمأمور به أو مانعا عنه ، إلا بنسخ التكليف الأول وإنشاء تكليف آخر يتعلق بما يعم ذلك الشئ.
والثاني : كالملكية المترتبة على العقد المركب من الايجاب والقبول بما له من الشرائط والموانع فإنه بعد ترتب الملكية عليه تنتزع جزئية الايجاب والقبول ، وشرطية القبض في المجلس في بيع الصرف والسلم ، ومانعية زيادة أحد العوضين عن الآخر في بيع المكيل والموزون ، وذلك كله واضح مما لا إشكال فيه ولا خلاف.
وإنما الخلاف وقع في جعل السببية ، فعن بعض : أن السببية بنفسها مما
__________________
الواقعية المضافة إلى التكليف ، لا أنها بحقايقها منتزعة عن التكليف ، فتدبر. نعم : في السببية لنفس الحكم فإنما هو منتزع عن إناطة شيء بشيء ، وحينئذ فان كان المنوط به من الأمور الواقعية كالحرارة بالنسبة إلى النار ، فالسببية أيضا من الأمور الواقعية ، وإن كان من الأمور الجعلية ، فالإناطة المزبورة أيضا مجعولة تبع جعل المنوط ، لا أنه مجعول مستقل ولا أنه منتزع عن نفس التكليف ، إذ مع عدم جعل الشيء منوطا يستحيل انتزاع السببية لشيء له ، كما هو ظاهر.
وحيث عرفت أن الإناطة تبع اعتبارية المنوط ، فكما أمكن تعلق الجعل بدوا بالمنوط وكان النظر في مقام الجعل إلى الإناطة تبعا ، كذلك يكون النظر إلى جعل المنوط تبعا ، وبهذه العناية أمكن دعوى جعلية السبب في الاعتباريات ، وفي هذا المقام لا معنى لدعوى واقعية السببية وعدم قابليته للجعل وأن السببية إنما هو من لوازم الذات ، إذ هو أجنبي عن السببية للأمور الاعتبارية ، كما هو ظاهر.