هذا حاصل ما أفاده الشيخ قدسسره في وجه المنع عن جريان الاستصحاب في الأحكام الشرعية المستكشفة من الاحكام العقلية.
ولكنه ضعيف ، لما فيه :
أولا : المنع عن كون كل خصوصية اعتبرها العقل في موضوع حكمه لابد وأن يكون لها دخل في مناط حكم العقل ، إذ من الممكن أن لا تكون للخصوصية دخل في المناط واقعا ، وإنما أخذها العقل في موضوع حكمه لمكان أن الموضوع الواجد لها هو المتيقن في اشتماله على الملاك بنظر العقل ، مع أن العقل يحتمل أن لا يكون لها دخل في الملاك واقعا ، فيكون حكم العقل بحسن الواجد لها أو قبحه من باب الاخذ بالقدر المتيقن.
ودعوى : أن الاحكام العقلية كلها مبينة مفصلة مما لا شاهد عليها ، إذ من المحتمل أن يكون حكم العقل بقبح الكذب الضار الغير النافع من جهة أن الكذب الواجد لهذه الخصوصيات هو المتيقن في قبحه وقيام المفسدة به ، مع أنه يحتمل أن لا يكون لخصوصية الضرر أو عدم النفع دخل فيما هو مناط القبح ، بل يكون نفس العقل شاكا في قبح الكذب الغير الضار.
وثانيا : سلمنا أن كل خصوصية أخذها العقل في موضوع حكمه فلابد وأن يكون لها دخل في المناط بنظر العقل ، إلا أن ذلك يمنع عن استصحاب حكم العقل ، وليس المقصود ذلك ، لما عرفت : من أن استصحاب حكم العقل لا أثر له ، بل المقصود استصحاب حكم الشرع ، فيمكن أن لا يكون لبعض الخصوصيات التي أخذها العقل في موضوع حكمه دخل في الموضوع عرفا ، فلا يضر انتفائها ببقاء الموضوع عرفا (١) والمناط في جريان الاستصحاب هو بقاء
__________________
١ ـ أقول : بل الأولى أن يقال : ليس كل ما هو دخيل في حكمه العقلي دخيلا في مناطه ولو عقلا ، والحكم الشرعي تابع مناطه ، وإلا فلو كان دخيلا في مناطه عقلا فعدمه يوجب القطع بعدم المناط ، ومع القطع بعدمه يقطع بعدم الحكم الشرعي التابع له ، إلا إذا فرض احتمال أو سعية مناط الحكم