بل التحقيق : أن المنشآت الشرعية كلها من قبيل القضايا الحقيقية التي يفرض فيها وجود الموضوع في ترتب المحمول عليه ويؤخذ للموضوع عنوان كلي مرآة لما ينطبق عليه من الافراد عند وجودها ، كالبالغ العاقل المستطيع الذي اخذ عنوانا لمن يجب عليه الحج ، وكالحي المجتهد العادل الذي اخذ عنوانا لمن يجوز تقليده ، ونحو ذلك من العناوين الكلية ، فالموضوع ليس آحاد المكلفين لكلي يتوهم اختلاف الموضوع باختلاف الأشخاص الموجودين في زمان هذه الشريعة والموجودين في زمان الشرايع السابقة ، فإذا كان الموضوع لوجوب الحج هو عنوان البالغ العاقل المستطيع ، فكل من ينطبق عليه هذا العنوان من مبدء إنشاء الحكم إلى انقضاء الدهر يجب عليه الحج ، سواء أدرك الشرايع السابقة أو لم يدرك ، فإذا فرض أنه أنشأ حكم كلي لموضوع كلي ثم شك المكلف في بقاء الحكم ونسخه فيجري استصحاب بقائه ، سواء أدرك الشرايع السابقة أو لم يدرك إلا هذه الشريعة المطهرة ، إلا إذا كان الحكم من أول الامر مقيدا بزمان خاص.
فالانصاف : أنه لا فرق في جريان استصحاب عدم النسخ عند الشك فيه بين أحكام هذه الشرعية وبين أحكام الشرايع السابقة ، وهذا من أحد المواقع التي وقع الخلط فيها بين كون الأحكام الشرعية على نحو القضايا الخارجية أو على نحو القضايا الحقيقية ، فمن منع عن جريان استصحاب عدم النسخ بالنسبة إلى احكام الشرايع السابقة بدعوى اختلاف الموضوع تخيل : أن الأحكام الشرعية تكون من القضايا الخارجية ، وقد عرفت فساده.
وما أجاب به الشيخ قدسسره عن دعوى اختلاف الموضوع : بأنا نفرض كون الشخص مدركا للشريعتين فيجري في حقه استصحاب عدم النسخ ، لا يحسم مادة الاشكال ، فإنه لا أثر له بالنسبة إلى من لم يدرك الشريعة السابقة. ولا يجوز التمسك بقاعدة الاشتراك في التكليف ، بداهة أن الاشتراك إنما