في كل مقام كان الشك في بقاء أحد الحادثين في زمان حدوث الآخر ، لا الشك في حدوث أحدهما في زمان حدوث الآخر ، كما إذا علم بالحدث والوضوء وشك في المتقدم والمتأخر منهما ، وكما إذا علم بنجاسة الثوب وطهارته وشك في المتقدم منهما والمتأخر ، فإنه في مثل ذلك الأصل في معلوم التاريخ أيضا يجري ويسقط بالمعارضة.
فلو علم المكلف أنه قد توضأ في أول النهار وعلم أيضا بالحدث ولكن شك في تقدم الحدث على الوضوء أو تأخره عنه ، كان الأصل في مرحلة البقاء في كل من الوضوء والحدث جاريا ، ويتعارض الأصلان من الجانبين ، فيستصحب بقاء الوضوء إلى زمان الشك وبقاء الحدث أيضا إلى زمان الشك ، فلو كان زمان الشك في تقدم الحدث على الوضوء وتأخره عنه هو أول الزوال ، فاستصحاب بقاء الوضوء إلى الزوال يعارض استصحاب بقاء الحدث إليه. ودعوى : عدم اتصال زمان الشك في بقاء الوضوء والحدث بزمان اليقين ، قد عرفت ضعفها.
__________________
جهة جريانه في الأزمنة الاجمالية المستتبع في الزمان الثاني التفصيلي الذي هو طرف العلم ، للعلم الاجمالي إما بالطهارة الوجدانية أو التنزيلية ، وهذا المعنى غير جار في المقام ، لما عرفت : من أن في الزمان الثاني الامر مردد بين الحدوث والارتفاع ، فكيف ينطبق عليه الزمان الاجمالي؟ كما أن في الزمان الثالث أمره ينتهي إلى الشك في البقاء من جهة الشك في الحدوث المتصل به ، لا من جهة الشك في قطع الامر الحادث ، وحينئذ فكم فرق بين مقامنا والفرض المزبور! فتأمل في المقام ، فإنه مما زلت فيه الاقدام.
ومن التأمل فيما ذكرنا كله اتضح أيضا وجه التفصيل بين المعلوم تاريخه ومجهوله : من جريان الاستصحاب في معلومه دون مجهوله ، كالمسألة السابقة ، وإن كان الفرق بينهما في وجودية المستصحب وعدميته. والعجب من المقرر! حيث إنه في المقام التزم بجر المستصحب من الزمان الاجمالي إلى الزمان التفصيلي والتزم بالتعارض بين المعلوم والمجهول ، ولم يلتزم بجره من الزمان التفصيلي إلى الاجمالي بوجود غيره في المسألة السابقة كي يلتزم هناك أيضا بالتعارض. وتقدم أيضا بطلان ما اعتذر في وجه عدم جريان الأصل في معلوم التاريخ ، فراجع وتدبر فيه.