هذا ، ولكن قد تقدم في مبحث البراءة ـ عند شرح الحديث المبارك ـ أنه يعتبر في الرفع مضافا إلى ذلك أن يكون المرفوع من المجعولات الشرعية التي يمكن أن تنالها يد الوضع والرفع التشريعي ولو تبعا ، وخصوصية لزوم إحراز الشرط ليست بنفسها من المجعولات الشرعية ولا من لوازم المجعول الشرعي ، بل هي من الآثار المترتبة على الشك فيما هو المجعول الشرعي ، ومثل هذه الخصوصية لا يعمها حديث الرفع ولا تجري فيها البراءة.
إذا عرفت ذلك ، فنقول في المقام : إن الوجهين اللذين ذكرناهما في نجاسة الملاقي يشتركان في الأثر ، لأنه يجب الاجتناب عن ملاقي النجس على كل تقدير ، سواء قلنا بالسراية أو لم نقل ، وليس هناك أثر يختص به أحد الوجهين في عالم الجعل والثبوت.
نعم : يفترقان في حال الشك ويظهر لاحد الوجهين أثر زائد عنده ، فإنه بناء على السراية يجب الاجتناب عن الملاقي لاحد طرفي المعلوم بالاجمال ولا تجري فيه أصالة الطهارة مع أنه يشك في ملاقاته للنجس ، على ما تقدم بيانه ، وبناء على الوجه الآخر لا يجب الاجتناب عنه وتجري فيه أصالة الطهارة ، فيكون الشك في أحد الوجهين لنجاسة الملاقي كالشك في شرطية أحد الشيئين ومانعية الآخر في الضدين اللذين لا ثالث لهما من حيث عدم اقتضاء أحد الجعلين أثرا زائدا عما يقتضيه الجعل الآخر واقتضاء الشك فيما هو المجعول أثرا زائدا.
فان قلنا في دوران الامر بين شرطية أحد الشيئين ومانعية الآخر بجريان البراءة عن الأثر الذي اقتضاه الشك قلنا به في المقام أيضا ، وتجري أصالة الطهارة في الملاقي لاحد الطرفين ، وإن قلنا بعدم جريان البراءة في ذلك المقام فاللازم الاجتناب عن الملاقي لاحد الطرفين ، ولا تجري فيه أصالة الطهارة ، لأنه طرف للعلم الاجمالي وجدانا ، وإنما أخرجناه عن ذلك بمعونة السببية والمسببية