المراد بعدم الأكل : الاعتياد به ، ولازمه ترك الأكل غالبا ، ولا ينافيه الأكل النادر ، جمعا بينها وبين أخبار المنع ، مع أنّه لولاه أيضا لترجّحت أخبار المنع أيضا ، لموافقتها ظاهر الكتاب من وجهين : من جهة التعليم ومن جهة الإمساك ، ومعاضدتها بالإجماعات المنقولة والشهرة العظيمة ، التي هي من أعظم المرجّحات الاجتهاديّة ، بل المنصوصة.
أقول : أمّا الحمل المذكور فحمل بلا شاهد ، ومثله عندنا فاسد.
وأمّا ترجيح أخبار المنع بما رجّحوها به فغير صحيح.
أمّا الوجه الأول من وجهي موافقة الكتاب ، فلأنّه موقوف على توقّف صدق المعلّمية على ذلك ، وهو ممنوع جدّا ، وقد ظهر سنده ممّا ذكرنا في صدر المسألة.
وأمّا الوجه الثاني ، فلأنّه مبنيّ على أن يكون معنى قوله سبحانه : ( مِمّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ ) من الصيد الذي أمسكن تمامه عليكم ، وهذا تخصيص لا دليل عليه من عرف أو لغة أصلا. بل المعنى : فكلوا ممّا أمسكن عليكم وحفظه لكم ، سواء كان تمام الصيد أو بعضه ، فإنّ ما أبقاه الكلب ولم يأكله يصدق عليه أنّه ما أمسك عليه ، سواء كان كلاّ أو بعضا.
وتدلّ على ذلك من الأحاديث صريحا روايات الأشلّ وسعيد وزرارة والرضويّ ، حيث اثبت فيها الإمساك مع تحقّق أكل البعض ، وظهر من ذلك أنّ موافقة إطلاق الكتاب إنّما هي لأخبار الحلّية.
وأمّا الإجماع المنقول فلا يصلح لترجيح بعض الأخبار على بعض ، كيف؟! ومن يقول بحجّيته ينزّله منزلة خبر صحيح ، وضمّ خبر واحد لا يصير مرجّحا لما ضمّ معه أصلا.
وأمّا الشهرة ، فالشهرة التي تصلح للترجيح هي الشهرة في الرواية