وللجواب عنه كما بيّناه في محلّه طريقان :
الأوّل : ما ذهب إليه بعض الحكماء من أنّ الله تعالى عالم بالعلّة ، والعلم بالعلّة علم إجمالي بالنسبة إلى المعلول وهو كشف تفصيلي في نفس الوقت.
توضيح ذلك : أنّ الحوادث التي تتحقّق في المستقبل ليست منفكّة عن حوادث الحال والماضي فإنّها سلسلة متّصلة بعضها ببعض ، فلو علمنا بحوادث الحال كما هو حقّها وبجميع جزئياتها فقد علمنا حوادث الماضي والمستقبل أيضاً في نفس الوقت ، وبما أن علمه تعالى بالأشياء يكون هكذا فهو عالم بالموجودين في الحال والمعدومين في الماضي والمستقبل جميعاً.
الثاني : ( وقد يصعب تصوّره على بعض ) أن نقول : أنّ تقسيم الزمان إلى الحال والماضي والمستقبل إنّما هو بالنسبة إلى الممكنات ، وأمّا بالنسبة إلى ذاته تعالى الذي لا حدّ ولا نهاية له فجميع الموجودات في الماضي والمستقبل والحال سواء عنده ، حاضرة لديه بأعيانها لكن كلّ في ظرفه الخاصّ ، فموسى عليهالسلام مثلاً حاضر عنده في ظرفه وزمانه الخاصّ كما أنّ عيسى عليهالسلام أيضاً حاضر عنده في ظرفه الخاصّ ، وأهل الجنّة والجحيم حاضرون عنده في ظرفهما ، فلا شيء من هذه معدوم عنده تعالى بل المعدوم معدوم بالنسبة إلى زمان الحال.
وبعبارة اخرى : أنّ الزمان بمنزلة شريط يتحرّك الإنسان عليه فعلى أي جزء منه كان فهو حال بالنسبة إليه والجزء السابق عليه ماضٍ والجزء اللاحق مستقبل ، وأمّا الذي يكون محيطاً بجميع الشريط من أوّله إلى آخره فالحال والماضي والمستقبل عنده سواء.
وقد يذكر لهذا مثال آخر وهو أنّ من يتصوّر للزمان حالاً وماضياً ومستقبلاً مثله مثل من ينظر من منفذ بيت إلى قطار من الإبل خارج البيت ، فحيث إنّه يرى في كلّ لحظة من الزمان بعض هذه الجمال يتصوّر له القبل والبعد ، وأمّا من يكون فوق البيت مثلاً ويرى جميع القطار في لحظة واحدة فلا معنى لهذا التقسيم بالنسبة إليه.
فبأحد هذين الطريقين يثبت حضور المعدومين عند الله تعالى ، ولكن مع ذلك لا يثبت بهذه المحاولات إمكان تفيهم المعدومين من طرق الخطابات المشافهة المتعارفة ، وبهذا يظهر أنّه لا وجه للتفصيل بين الخطابات الإلهية وغيرها.