فظهر ممّا ذكرنا عدم تماميّة تفصيل المحقّق النائيني رحمهالله في الخطابات الشفاهيّة بين القضايا الحقيقيّة والخارجيّة بأنّ الاولى تشمل الغائب والمعدوم والثانية لا تشملهما ، لأنّ حقيقة الخطاب وهي توجيه الكلام إلى الغير موجودة في كلتا القضيتين ، وقد ردّ تفصيله في تهذيب الاصول بعد ذكر مقدّمات فكلامه تامّ من هذه الجهة.
هذا كلّه في التفصيل بين القضايا الخارجيّة والحقيقيّة.
وهنا تفصيل آخر وهو بين الخطابات الإلهية وغير الإلهية ، ببيان أنّ الاولى شاملة للغائبين والمعدومين ، لأنّ الله محيط بكلّ شيء وكلّ شيء حاضر عنده بخلاف الثانية.
وأجاب عنه المحقّق الخراساني رحمهالله بأنّه يعتبر في الخطاب ثلاثة أشياء : المخاطب ( بالكسر ) والمخاطب ( بالفتح ) وأداة الخطاب ، وفي الخطابات الإلهية وإن لم يكن نقص بالنسبة إلى الأمر الأوّل ، أي المخاطب ( بالكسر ) ولكنّه موجود بالنسبة إلى الأمر الثاني والثالث.
وللمحقّق الإصفهاني رحمهالله هنا تفصيل في هذا التفصيل ، وهو أنّ الخطابات الإلهيّة تشمل الغائبين دون المعدومين ، وأمّا الخطابات البشريّة فلا تشمل المعدومين والغائبين معاً ، والدليل هو إحاطته تعالى بالغائبين ، وأمّا عدم حضورهم وعدم فهمهم لخطابه فلا ضير فيه بل اللازم هو نوع اجتماع بين المخاطِب والمخاطَب إمّا في مكان واحد أو بحكمه أو الإحاطة الإلهية (١).
أقول : هنا مطلبان :
الأوّل : أنّه لابدّ في صحّة الخطاب وكونه حقيقياً الإفهام والإنفهام ولو في ظرف وصوله ( وإلاّ يكون إنشائيّاً ) من دون الفرق بين الخطابات الإلهية وغيرها ، والحاكم بهذا هو العرف والوجدان.
الثاني : في المقصود من إحاطة الله بالمعدومين : فقد قرّر في محلّه أنّ عدم علمه بالمعدومين يوجب النقص في ذاته تبارك وتعالى عن ذلك ولكن قد يستشكل بأنّ علمه بهم إمّا أن يكون حصولياً وارتسامياً أو يكون حضوريّاً ، والأوّل محال لاستلزامه الارتسام في ذاته ، مضافاً إلى أنّه لا إشكال في أنّ علمه بالأشياء يكون بذاتها لا بصورتها ، وإن كان حضوريّاً فلا يشمل المعدومين لأنّهم ليسوا موجودين حتّى يكونوا حاضرين عنده تعالى.
__________________
(١) راجع نهاية الدراية : ج ١ ، ص ٣٤٧.