وغيره مثل « كلّ نار حارّة » فلفظ « نار » تدلّ على نفس الطبيعة وهي قابلة للصدق على كلّ فرد لا بمعنى وضعها للأفراد ولا بمعنى كونها حاكيّة عنها أو كون الطبيعة حاكيّة عنها بل بمعنى دلالتها على الطبيعة القابلة للصدق على الافراد الموجودة وما سيوجد في ظرف الوجود ، ( إلى أن قال ) : فكلّ نار حارّة إخبار عن مصاديق النار دلالة تصديقية ، والمعدوم ليس مصداقاً للنار ولا لشيء آخر ، كما أنّ الموجود الذهني ليس ناراً بالحمل الشائع ، فينحصر الصدق على الأفراد الموجودة في ظرف وجودها من غير أن يكون الوجود قيداً ، أو أن يفرض للمعدوم وجود أو ينزل منزلة الوجود ومن غير أن تكون القضيّة متضمّنة للشرط كما تمور بها الألسن موراً » (١).
أقول : ويمكن المناقشة فيه :
أوّلاً : بأنّا لا نفهم معناً محصّلاً لقوله « فينحصر الصدق على الأفراد الموجودة في ظرف وجودها من غير أن يكون الوجود قيداً » لأنّ هذا أيضاً يساوق كون الوجود قيداً ، فإن الحارّة مثلاً في مثال « النار حارّة » إنّما هي النار الموجودة في الخارج لا النار بدون الوجود ولا النار الموجودة في الذهن ، نعم إنّ ما أفاده جارٍ في مثل « الأربعة زوج ».
ثانياً : لو لم يكن الوجود قيداً فنسأل : هل تكون القضيّة شاملة للمعدومين أو لا؟ فإن لم تكن شاملة لهم فالقضيّة خارجيّة لا حقيقيّة ، وإن كانت شاملة فيعلم أنّه فرض للمعدوم وجود ، وقد مرّ أنّ حقيقة القضيّة الشرطيّة هو فرض الوجود ، وعلى كلّ حال : القضيّة الحقيقيّة هي ما يكون الوجود قيداً فيها ، غاية الأمر أنّه أعمّ من الوجود التقديري والوجود الفعلي.
ثمّ إنّه في ما سبق أنكر الانحلال في القضايا الكلّية القانونيّة وقد أوردنا عليه بالنقض بالعموم الافرادي ، لكن في المقام له كلام صرّح فيه بالانحلال وإليك نصّه : « وليعلم أنّ الحكم في الحقيقة على الأفراد بالوجه الإجمالي وهو عنوان كلّ فرد أو جميع الأفراد ، فالحكم في المحصورة على أفراد الطبيعة بنحو الإجمال على نفس الطبيعة ولكن على الأفراد تفصيلاً » (٢).
فقد صرّح في هذا الكلام بأنّ الحكم في المحصورة يتعلّق بالمصاديق والأفراد ، بينما قد مرّ منه سابقاً أنّ الحكم في القضايا القانونيّة يتعلّق بالطبيعة فقط.
__________________
(١) تهذيب الاصول : ج ٢ ، ص ٤٢ ـ ٤٣ ، طبع مهر.
(٢) المصدر السابق : ص ٤٣ ـ ٤٤ ، طبع مهر.