وأورد عليه في حاشية الأجود بأنّ مجرّد الوجود لا يكفي في الخطابات المشافهة بل تحتاج إلى فرض الحضور أيضاً والقضايا الحقيقيّة تفرض لنا الوجود فقط.
ثمّ حاول لحلّ الإشكال ، فذهب إلى ما بنى عليه المحقّق الخراساني رحمهالله من أنّ الأدوات وضعت للخطاب الإنشائي ، ثمّ قال في آخر كلامه ما حاصله : هذا إذا قلنا أنّ الخطابات القرآنية خطابات من الله بلسان النبي صلىاللهعليهوآله ، أمّا إذا قلنا أنّها نزلت عليه قبل قرائته يكون هذا النزاع باطلاً من أصله لعدم وجود مخاطب غير النبي صلىاللهعليهوآله في ذلك الزمان (١).
أقول : الظاهر أنّ إشكاله على المحقّق المذكور غير وارد لما سيأتي ، مضافاً إلى أنّ الكلام هو في المنهج الذي سلكه لحلّ الإشكال ، لأنّ قوله : إنّ الأدوات وضعت للخطاب الإنشائي تبعاً للمحقّق الخراساني رحمهالله يستلزم عدم كون الخطابات القرآنيّة بداعي الخطاب الحقيقي ، وهو خلاف الوجدان وخلاف بعض الرّوايات الواردة لبيان آداب التلاوة نظير ما ورد لاستحباب ذكر « لبّيك » بعد تلاوة خطاب « يا أيّها الذين آمنوا » ، هذا أوّلاً.
ثانياً : بالنسبة إلى قوله : « إن قلنا أنّ الخطابات القرآنية نزلت على النبي قبل قرائته » ( إلى آخره ) : أنّه لا ريب في أنّها نزلت عليه قبل قرائته ، فلا ينبغي التعليق والترديد فيه بقوله « إن قلنا » ، لكن هذا لا يلازم بطلان النزاع من رأسه ، لأنّها وإن نزلت قبل قرائته صلىاللهعليهوآله لكنّه صلىاللهعليهوآله خليفة الله في مخاطبة الناس فيخاطبهم بلسان الباري تعالى.
والإشكال الأساسي في كلمات هؤلاء الأعلام أنّهم تسالموا على وجود الملازمة بين خطاب المشافهة والحضور وأنّ الحضور لازم فيها ، بينما قلنا أنّ حقيقة الخطاب هي توجيه الكلام نحو الغير مع الإيصال إليه بأيّ وسيلة.
ثمّ إنّه قد حاول في تهذيب الاصول تحليل القضيّة الحقيقيّة والخارجيّة ، وقال : « إنّ هذا التقسيم للقضايا الكلّية ، وأمّا الشخصيّة مثل « زيد قائم » ممّا لا تعتبر في العلوم فخارجة عن المقسم ، فقد يكون الحكم في القضايا الكلّية على الأفراد الموجودة للعنوان بحيث لا ينطبق إلاّ عليها مثل « كلّ عالم موجود في حال كذا » أو « كلّ من في هذا العسكر كذا » وأمّا القضيّة الحقيقيّة فهي ما يكون الحكم فيها على أفراد الطبيعة القابلة للصدق على الموجود في الحال
__________________
(١) راجع أجود التقريرات : ج ١ ، ص ٤٩١.