بقي هنا امور :
الأوّل : أنّه يمكن أن يقال : إنّ هذه الأخبار أيضاً بنفسها مخالفة لكتاب الله تعالى لأنّها تخالف مفهوم آية النبأ حيث إن مفهومها حجّية خبر الواحد مطلقاً سواء كان مخصّصاً لعمومات الكتاب أو لا يكون ، فيلزم من وجود هذه الأخبار وحجّيتها عدمها لأنّ حجّيتها تقتضي تقييد الكتاب في هذه الآية ، فيصير من قبيل تقييد الكتاب بخبر الواحد وهو ممنوع على الفرض ، اللهمّ إلاّ أن يقال : إنّها بالغة إلى حدّ التواتر وليست من أخبار الآحاد فلا إشكال حينئذٍ في جواز تخصيص عموم الكتاب بها.
الثاني : ربّما يقال بأنّ هذا البحث قليل الجدوى لأنّ عمومات الكتاب ليست في مقام البيان فلا يقع تعارض وتخالف بينها وبين أخبار الآحاد.
لكن يردّ هذا : بأنّه وإن كان كثير من العمومات الواردة في الكتاب ، كذلك ولكن نشاهد بينها عدداً كثيراً من العمومات التي تكون في مقام البيان ، نحو عموم قوله تعالى : ( أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ) وقوله : ( وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ ) وقوله : ( وَأُوْلَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ ) وقوله : ( وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ ) وقوله : ( وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ ) وقوله في آية الأنفال : ( وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ للهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ ) وقوله : ( وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرْ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ ) بناءً على كونه في سياق النفي وقوله : ( وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ لِبُعُولَتِهِنَّ ).
الثالث : أنّ أكثر النكات المذكورة بالنسبة إلى عمومات الكتاب تأتي بالنسبة إلى إطلاقاته أيضاً ، فالمطلقات من كتاب الله أيضاً تقيّد بخبر الواحد ، وحينئذٍ يأتي فيه أيضاً أدلّة المثبتين ، وكذلك أدلّة النافين والجواب عنها لأنّ المطلقات بعد تمام مقدّمات الحكمة بحكم العموم.