لأنّ التميّز حاصل على كلّ حال ، وإن كان المراد من التميّز اللحاظ الذهني ، أي أنّ الاسامة مثلاً وضعت لذلك الحيوان المفترس بلحاظ أنّه ليس الشجر أو الحجر وغيرهما ، أي أنّه مقيّد بهذا اللحاظ.
ففيه :
أوّلاً أنّه يستلزم عدم انطباق علم الجنس على الخارج إلاّبالتجريد أو قبول المجازية وكلاهما منفيّان بحكم الوجدان.
وثانياً : ما حكمة الواضع حينئذٍ في وضعه وأي مشكلة أراد حلّها به؟ خصوصاً إذا كان الواضع عامّة الناس فما هو داعي الأفراد العاديين من الناس في وضعهم مثل لفظ الاسامة على هذا النحو.
المذهب الثاني : ما ذهب إليه في تهذيب الاصول فإنّه قال : « اسم الجنس موضوع لنفس الماهيّة وعلم الجنس للطبيعة بما هي متميّزة من عند نفسها بين المفاهيم وليس هذا التميّز والتعيّن متقوّماً باللحاظ بل بعض المعاني بحسب الواقع معروف معيّن وبعضها منكور غير معيّن » (١).
أقول : إن كان مراده من التعبير بالواقع هو الذهن وعام اللحاظ فيرد عليه نفس ما مرّ آنفاً من الإشكالات ، مع أنّه بنفسه أيضاً صرّح بعدمه ، وإن كان المراد منه هو الخارج فلا نعرف لما ذكره من الفرق مفهوماً محصّلاً ولعلّ القصور منّا.
وقال المحقّق الإصفهاني رحمهالله في التعليقة : أنّ في الفصول تبعاً للسيّد الشريف إرادة التعيّن الجنسي ، بيانه : « إنّ كلّ معنى طبيعي فهو بنفسه متعيّن وممتاز عن غيره وهذا وصف ذاتي له ، فاللفظ ربّما يوضع لذات المتعيّن والممتاز كالأسد واخرى للمتعيّن الممتاز بما هو كذلك كالاسامة » (٢).
أقول : إنّ ما أفاده قدسسره لا يبعد صحّته ولا أقلّ من الاحتمال ، وحينئذٍ الفرق بين اسم الجنس وعلم الجنس نظير الفرق بين زيد والرجل من بعض الجهات ، فكما أنّه لا نظر في وضع الرجل لافراد الإنسان إلى التشخّصات الفرديّة والتعيّنات الخارجيّة وأنّ الفرد الفلان تولّد في أيّ
__________________
(١) تهذيب الاصول : ج ٢ ، ص ٦٩ ، طبع مهر.
(٢) نهاية الدراية : ج ١ ، ص ٣٥٤ ، الطبع القديم.