للنبي أو لجماعة من المؤمنين مثلاً ، وأدرك عدم مزاحمة شيء آخر لها ، وأدرك أنّ الأحكام الشرعيّة ليست جزافيّة وإنّما هي لأجل ايصال العباد إلى المصالح وتبعيدهم عن المفاسد ، كيف يعقل أن يتوقّف في استكشاف الحكم الشرعي بوجوبه ويحتمل مدخلية وساطتهم صلوات الله وسلامه عليهم بل لا محالة يستقلّ بحسن هذا الكذب ويحكم بمحبوبيته ، والحاصل أنّ المدّعى هو تبعيّة الحكم الشرعي لما استقلّ به العقل من الحسن والقبح ، وبعد الاستقلال لا يبقى مجال لهذا الاحتمال أصلاً » (١).
أقول : ولذلك نعتقد بأنّ من لم يصل إليه بلاغ من رسول فلا أقلّ من استحقاقه للعقاب على ترك ما يستقلّ به العقل ، فلو قتل إنساناً عالماً عامداً كان مستحقّاً للعذاب عند الله تعالى بلا إشكال ، ولا يمكن أن يقال : إنّ هذا الحكم ما لم يصل إلى هذا القاتل من ناحية الشرع كان معذوراً في هذا الفعل.
ثمّ إنّ الاصوليين استدلّوا لحجّية العقل في قبال الأخباريين بوجوه :
الأوّل : الأخبار الواردة في هذا المجال :
منها : ما رواه محمّد بن عبدالجبّار عن بعض أصحابنا رفعه إلى أبي عبدالله عليهالسلام قال قلت له : ما العقل؟ قال : « ما عبد به الرحمن واكتسب به الجنان » ، قال : قلت فالذي كان في معاوية؟ فقال : « تلك النكراء ، تلك الشيطنة وهي شبيهة بالعقل وليست بالعقل » (٢).
ومنها : ما رواه هشام عن أبي عبدالله عليهالسلام في حديث طويل : « ياهشام أنّ لله على الناس حجّتين حجّة ظاهرة وحجّة باطنة فأمّا الظاهرة فالرسل والأنبياء والأئمّة عليهمالسلام وأمّا الباطنة فالعقول » (٣).
ومنها : ما رواه إسماعيل بن مهران عن بعض رجاله عن أبي عبدالله عليهالسلام قال : « العقل دليل المؤمن » (٤).
ومنها : ما رواه محمّد بن مسلم عن أبي جعفر عليهالسلام قال : « لمّا خلق الله العقل استنطقه ثمّ قال
__________________
(١) أجود التقريرات : ج ٢ ، ص ٤٠.
(٢) اصول الكافي : كتاب العقل والجهل ، ح ٣.
(٣) المصدر السابق : ح ١٢.
(٤) المصدر السابق : ح ٢٤.