ظهور القضيّة في الانحصار وتقديم ظهورها في تمام العلّة على ظهورها في الانحصار ، وذلك لأنّ رفع اليد عن كلّ واحد من الظهورين يستلزم تأخير البيان عن وقت الحاجة كما لا يخفى ، ولكن تأخير البيان عن وقت الحاجة بالنسبة إلى خصوصيّة الانحصار أقلّ محذوراً منه بالنسبة إلى خصوصيّة تمام العلّة ، فإذا قال المولى : إنّ خفاء الجدران علّة مستقلّة لوجوب القصر ، وسكت عن كون خفاء الأذان علّة له مع أنّه أيضاً علّة مستقلّة للوجوب في واقع الأمر ، كان المحذور أقلّ ممّا إذا لم يكن خفاء الجدران علّة مستقلاً بل كان للعلّة جزء آخر ولم يبيّنه وهو في مقام البيان ، وهذا ممّا يساعد عليه العرف والعقلاء ، فإنّه إذا كان مثلاً لداء خاصّ دواءان ، وكان كلّ منهما مؤثّراً في رفع الداء مستقلاً ولكن لم يبيّن الطبيب للمريض إلاّ أحدهما ، كان إشكاله أقلّ ممّا إذا كان للدواء جزء آخر ولم يبيّنه.
وإن شئت قلت : أنّ للقضيّة ظهورين : ظهور في الانحصار وظهور في كون العلّة تامّة ، ولا إشكال في أنّ ظهورها في الأوّل أقوى من ظهورها في الثاني فيقدّم عليه.
هذا كلّه بناءً على مبنى القول من أنّ منشأ المفهوم إنّما هو ظهور الجملة الشرطيّة في العلّية المنحصرة ، وأمّا بناءً على المختار من أنّ المنشأ هو ظهور القضيّة في مجرّد الانتفاء عند الانتفاء في الجملة والمفهوم التامّ يستفاد من قرينة خارجيّة ، فلا إشكال في عدم لزوم رفع اليد عن الظهور في المقام لما مرّ من أنّ المفهوم إنّما يتمّ فيما إذا قامت قرينة من الخارج نظير كون الشرطين مثلاً من قبيل الضدّين لا ثالث لهما أو وجود قدر متيقّن في البين ، وإلاّ لا يثبت المفهوم مع بقاء مدلول الانتفاء عند الانتفاء في الجملة على حاله ، وحينئذٍ نقول : حيث إن القرينة قائمة في ما نحن فيه على العكس لأنّ كلّ واحد من المنطوقين دليل على أنّ مفهوم الآخر لا يتجاوز عن حدّ الانتفاء عند الانتفاء في الجملة فلا مفهوم للقضيتين حتّى يبحث عن كيفية الجمع بينهما ، ولا إشكال في أنّ النتيجة حينئذٍ هي الوجه الثاني ، أي كون كلّ واحد من خفاء الجدران وخفاء الأذان علّة مستقلّة لوجوب القصر.
تنبيهان
التنبيه الأوّل : اختار المحقّق النائيني رحمهالله في ما نحن فيه ترجيح العطف بالواو في الغاية وأنّ