ثانيها : هو الوجه الخامس ، ودليل فساده أنّه لا وجه لسقوط الدليلين ( أي المفهومين في ما نحن فيه ) وطرحهما مع إمكان الجمع بينهما عرفاً بتقييد كلّ واحد منهما بمنطوق الآخر.
ثالثها : هو الوجه الرابع الذي يبتني على قاعدة الواحد ، ووجه فساده أنّ هذه القاعدة مختصّة بالواحد الشخصي البسيط من جميع الجهات كما مرّ في بعض الأبحاث السابقة ، ولا يجري في الواحد النوعي كالحرارة مثلاً التي تعمّ الحرارة الصادرة من الشمس والصادرة من الكهرباء ومن النار ، هذا أوّلاً.
وثانياً : أنّها تختصّ بالامور الحقيقيّة ، وأمّا الأحكام الشرعيّة فهي من الامور الاعتباريّة التي يعتبرها الشارع.
وثالثاً : أنّها تجري في باب العلّة والمعلول ولا معنى للعلّية في ما نحن فيه بل في جميع الامور الاعتباريّة فليس خفاء الجدران مثلاً علّة لوجوب القصر بل إنّه يعدّ موضوعاً لوجوب القصر ، وأمّا علّة الوجوب فإنّما هي إرادة الشارع وإلزامه.
وأمّا الثلاثة الاخر فلا يبعد أن يكون الأوجه من بينها هو الوجه الثالث ، أي تخصيص كلّ واحد من المفهومين بمنطوق الآخر لابتنائه على قاعدة الإطلاق والتقييد والجمع العرفي.
نعم أورد عليه المحقّق النائيني رحمهالله بأنّ المفهوم تابع للمنطوق ولا يمكن تقييده إلاّبتقييد منطوقه (١).
ولكنّه مدفوع : بأنّ الثابت في ما نحن فيه إنّما هو لزوم التبعيّة في الدلالة لما مرّ من أنّ المفهوم مدلول التزامي للمنطوق وهو لا يستلزم لزومها بالنسبة إلى إرادة المولى ، لأنّه يمكن أن يكون كلّ واحد من المنطوق والمفهوم متعلّقاً لإرادة المولى مستقلاً ، بل يمكن أن تتعلّق إرادته على خصوص المفهوم ، كما إذا سئل العبد مولاه عن إكرام زيد ، فأجابه بقوله : « نعم إن جاءك » فإنّه لا إشكال في أنّ مقصوده إنّما هو عدم إكرام زيد في صورة عدم المجيء فحسب لا أكثر.
ثمّ لو تنزّلنا عن الوجه الثالث ودار الأمر بين الوجه الأوّل والوجه الثاني ، أي دار الأمر بين رفع اليد عن ظهور القضيّة الشرطيّة في كون الشرط تمام العلّة وظهورها في كونه منحصراً ( والمفروض ظهورها في كلا الأمرين ) فلعلّ الأولى حينئذٍ هو الوجه الثاني أي رفع اليد عن
__________________
(١) راجع أجود التقريرات : ج ١ ، ص ٤٢٤.