وليست طريقاً إلى الواقع ، لأنّ المفروض عدم كونها أمارة ، فقال ما نصّه : « فلا محيص في مثله ( بعض الاصول العمليّة كأصالة الإباحة الشرعيّة ) إلاّعن الالتزام بعدم إنقداح الإرادة أو الكراهة في بعض المبادىء العالية أيضاً كما في المبدأ الأعلى لكنّه لا يوجب الالتزام بعدم كون التكليف الواقعي بفعلي ، بمعنى كونه على صفة ونحوٍ لو علم به المكلّف لتنجّز عليه كسائر التكاليف الفعليّة التي تنجّز بسبب القطع بها ، وكونه فعلياً إنّما يوجب البعث والزجر في النفس النبويّة أو الأولويّة فيما إذا لم ينقدح فيها الإذن لأجل مصلحة ».
وحاصل ما أفاده : أنّ الحكم الواقعي في مورد هذه الاصول ليس فعليّاً تامّاً لأنّ الفعليّة موقوفة على حصول الإرادة وهو موقوف على عدم صدور إذن من جانب الشارع على الخلاف ، وإلاّ لو صدر إذن من ناحيته كما في الاصول العمليّة فالحكم فعلي تقديري ، بمعنى أنّه لو تعلّق به العلم أو قامت أمارة عليه لتنجّز ، بخلاف الإنشائي الذي لا تنجّز وإن تعلّق به العلم خارجاً ، وبهذا ترتفع المنافاة بين الحكم الواقعي والظاهري ، لأنّ الحكم الواقعي فعلي تقديري ، والحكم الظاهري فعلي تحقيقي ولا منافاة بينهما.
فظهر إلى هنا أنّ المحقّق الخراساني رحمهالله اختار لحلّ إشكال الجمع بين الحكم الظاهري والواقعي ثلاثة طرق :
الأوّل : إنكار أن يكون مؤدّى الأمارة حكماً بل هو مجرّد المنجّزيّة والمعذّريّة.
الثاني : كونه حكماً طريقيّاً.
الثالث : أنّ الواقعي فعلي تقديري أي فعلي لولا الترخيص والإذن ، والظاهري فعلي مطلقاً.
ولا يخفى أنّ هذا الكلام منه مبني على ما ذهب إليه من أن للأحكام مراتب أربعاً كما مرّت الإشارة إليه منّا في باب اجتماع الأمر والنهي ، وكما أشار إليه في تعليقته على رسائل شيخنا الأعظم رحمهالله :
أحدها : الاقتضائيّة والشأنية ، وهي عبارة عن كون الشيء ذا ملاك يقتضي الحكم الفلان على طبق ذلك الملاك.
ثانيها : الحكم الإنشائي وهو عبارة عن إنشاء الحكم على طبق المصالح والمفاسد الكامنة في الأشياء ضرباً للقاعدة والقانون ، من دون أن يكون في البين إرادة أو كراهيّة فعلية.
ثالثها : الحكم الفعلي ، وهو عبارة عن تعلّق الإرادة الفعلية أو الكراهة الفعلية بشيء أي البعث والزجر.