وعمدة الإشكال في هذا الطريق إنّا لا نقبل كون المجعول في الأمارات حكماً إرشاديّاً إلى ما هو أقرب إلى الواقعيات لأنّه خلاف ظاهر أدلّة حجّية الأمارات كما مرّ آنفاً. مضافاً إلى ما مرّ من فهم الفقهاء وتعبيرهم عن مفاد الأمارات بحكم مولوي من وجوب وحرمة وغيرهما.
٤ ـ ما أفاده المحقّق الحائري رحمهالله بنفسه في الدّرر ، بقوله : « إنّ بطلان ذلك مبني على عدم جواز اجتماع الأمر والنهي لأنّ المورد من مصاديق ذلك العنوان فإنّ الأمر تعلّق بعنوان العمل بقول العادل مثلاً ، والنهي تعلّق بعنوان آخر مثل شرب الخمر ، وحيث جوّزنا الاجتماع وبيّناه في محلّه فلا إشكال هنا أيضاً ، لا يقال : جواز اجتماع الأمر والنهي على تقدير القول به إنّما يكون فيما تكون هناك مندوحة للمكلّف كالأمر بالصلاة والنهي عن الغصب لا فيما ليس له مندوحة ، وما نحن فيه من قبيل الثاني ، لأنّ العمل بمضمون خبر العادل مثلاً يجب عليه معيّناً حتّى في مورد يكون مؤدّى الخبر وجوب شيء مع كونه حراماً في الواقع بخلاف الصّلاة لعدم وجوب تمام أفرادها معيّناً بل الواجب صرف الوجود الذي يصدق على الفرد المحرم وعلى غيره ، لأنّا نقول : اعتبار المندوحة في تلك المسألة إنّما كان من جهة عدم لزوم التكليف بما لا يطاق ، وفيما نحن فيه لا يلزم التكليف بما لا يطاق من جهة عدم تنجّز الواقع ، فلم يبق في البين إلاّقضية اجتماع الضدّين والمثلين وهو مدفوع بكفاية تعدّد الجهة » (١).
ثمّ إستشكل على هذا الطريق بما حاصله : إنّ ما نحن فيه ليس من باب تعدّد الجهة والعنوان حتّى يكون من باب اجتماع الأمر والنهي لأنّ جعل الخبر طريقاً إلى الواقع معناه أن يكون الملحوظ في عمل المكلّف نفس العناوين الأوّليّة ، مثلاً لو قام الخبر على وجوب صلاة الجمعة في الواقع فمعنى العمل على طبقه أن يأتي بها على أنّها واجبة واقعاً ، فيرجع إيجاب العمل به إلى إيجاب الصّلاة على أنّها واجبة واقعاً ، فلو فرضنا كونها محرّمة في الواقع يلزم كون الشيء الواحد من جهة واحدة محرّماً وواجباً ، فليس من جزئيات مسألة اجتماع الأمر والنهي التي قلنا بكفاية تعدّد الجهة فيه.
أقول : ما أورده على هذا الطريق وارد جدّاً ، إلاّ أن هنا إشكالاً آخر يرد على ردّه ، وهو الذي نقله في ضمن كلامه ( أي ما ذكره في حكم المندوحة ) وهو أنّه إن كان المراد من عدم تنجّز
__________________
(١) درر الفوائد : ج ٢ ، ص ٣٥٥ ، طبع جماعة المدرّسين.