ليس بعلم علماً ، فإن كان المراد من جعل صفة المحرزيّة إلغاء احتمال الخلاف وجعل صفة العلم تكويناً فهو محال ، وإن كان المراد الجري العملي على طبق مؤدّيات الأمارات كما يظهر من بعض كلماته في المقام فهذا معناه إيجاب الجري العملي على وفق الأمارة ، وليس هذا إلاّجعل وجوب العمل على مؤدّى الأمارة ، وهذا حكم تكليفي ظاهري.
وأمّا ما أفاده من أنّ حجّية الأمارات ليست بشيء إلاّ إمضاء لطريق العقلاء ، والعقلاء ليس لهم حكم على طبق مؤدّى الأمارة بل يعدّونها فقط طريقاً إلى الواقع.
ففيه : أنّ العقلاء أيضاً إذا علموا مثلاً بأنّ هذا ليس لزيد من طريق أخبار خبر الثقة مثلاً يحكمون بأنّه لزيد ، ويكون مؤدّى الأمارة عندهم حكماً من الأحكام وقانوناً من القوانين ، فكيف لم يكن عندهم أحكام ظاهريّة قانونيّة؟ وعدم وجود التكاليف المولويّة بينهم ليس دليلاً على عدم وجود التكاليف القانونية.
وأمّا القسم الثاني : فلأنّ الاصول موضوعها الشكّ في الحكم الواقعي ، ولا معنى لكون الشكّ طريقاً إلى الواقع ، وحينئذٍ كيف يمكن جعل الشارع الوسطيّة في الإثبات والطريقيّة إلى الواقع لما ليس طريقاً أبداً؟ ولو قلنا أنّ الاستصحاب لا يخلو من طريقيّة إلى الواقع فلازمه عدّ الاستصحاب من الأمارات لا من الاصول ، وهو خلاف المفروض.
وأمّا القسم الثالث : ففيه : أنّ تأخّر الموضوع والتفرّع لا يحلّ المشكلة في المقام ، لأنّه وإن كان الموضوع متعدّداً في الذهن إلاّ أن الخارج واحد ، والمفروض أنّ الصورة الذهنيّة مأخوذة في الموضوع بما هي حاكية عن الخارج ، فيلزم حينئذٍ اجتماع حكمين فعليين على محلّ واحد ، ويعود الإشكال.
٦ ـ ما أفاده في تهذيب الاصول وحاصله بالنسبة إلى شبهة التضادّ « أنّهم عرفوا الضدّين بأنّهما الأمران الوجوديان غير المتضائفين المتعاقبان على موضوع واحد ، لا يتصوّر اجتماعهما فيه ، بينهما غاية الخلاف ، وعليه فما لا وجود له لا ضدّية بينه وبين شيء آخر كما لا ضدّية بين أشياء لا وجود لها كالاعتباريات التي ليس لها وجود إلاّفي وعاء الاعتبار ... والإنشائيات وبالتبع الأحكام التكليفيّة كلّها من الامور الاعتباريّة لا تحقّق لها إلاّفي وعاء الاعتبار » (١).
__________________
(١) راجع تهذيب الاصول : ج ٢ ، ص ٦٥ ـ ٦٦ ، طبع جماعة المدرّسين.