النفسانيّة ليست واقعة تحت اختيار النفس حتّى توجدها في أي وقت شاء » (١).
أقول : الحقّ أن التعبّد الحقيقي بما لا يعلم أنّه عبادي أمر ممكن كما هو المعروف في الألسنة والكتب الفقهيّة لأنّه من قبيل قوله تعالى ( وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ) فلا إشكال في أنّ فرعون مثلاً كان كافراً بالله تعالى مع علمه به ، وليس هذا إلاّ أنّه بنى في قلبه والتزم قلباً بأنّه ليس في العالم إله يسمّى بـ « الله » ، هذا في الاصول الاعتقاديّة ، وكذلك في الفروع فيمكن الالتزام القلبي بأنّ الشيء الفلان حرام مع العلم بحلّيته.
وإن شئت قلت : ليس التشريع هو العلم بل هو اعتقاد وعقد في القلب ، والاعتقاد غير العلم لأنّ العلم ، هو مجرّد الإدراك ، وأمّا الاعتقاد فإنّه من عقد القلب والبناء القلبي ، وكم من شيء يعلمه الإنسان ( أي يدركه ) ولكن لا يقبله ولا يلتزم به في قلبه وبالعكس.
وبعبارة اخرى : عقد القلب هو التسليم الباطني تجاه شيء ، علم به أو لم يعلم ، كما يدلّ عليه ما مرّ سابقاً ، وهو ما رواه إبراهيم بن أبي محمود عن الرضا عليهالسلام في حديث طويل قال : أخبرني أبي عن آبائه عن رسول الله صلىاللهعليهوآله قال : « من أصغى إلى ناطق فقد عبده ، ... إلى أن قال : فإنّ أدنى ما يخرج به الرجل عن الإيمان أن يقول للحصاة ، هذه نواة ثمّ يدين بذلك ويبرأ ممّن خالفه ، يا ابن أبي محمود احفظ ما حدّثتك به فقد جمعت لك فيه خير الدنيا والآخرة » (٢).
هذا كلّه في الأمر الأوّل.
أمّا الأمر الثاني : وهو الدليل على حرمة التشريع ، فيدلّ عليها أوّلاً : جميع ما يدلّ على حرمة البدعة من الإجماع والآيات والأخبار الواردة في باب البدعة وتحريمها لأنّ التشريع مصداق من مصاديقها.
وثانياً : حكم العقل بقبح التشريع ، لأنّ من المستقلاّت العقليّة أنّ التشريع نوع تلاعب بأحكام المولى ومخالف لحقّ الطاعة ورسم العبوديّة.
أمّا الأمر الثالث : وهو أنّ المحرّم هل هو خصوص التديّن والالتزم القلبي أو يسري قبح التشريع إلى الفعل المتشرّع به بحيث يصير الفعل قبيحاً عقلاً وحراماً شرعاً؟ فذهب المحقّق النائيني رحمهالله إلى الثاني وقال : « إنّه من الممكن أن يكون القصد والداعي من الجهات والعناوين
__________________
(١) راجع تهذيب الاصول : ج ٢ ، ص ٨٥ ، طبع جماعة المدرّسين.
(٢) وسائل الشيعة : الباب ١٠ ، من أبواب صفات القاضي ، ح ١٣.