ألاّ أرتدي برداء إلاّللصلاة حتّى اؤلّف القرآن وأجمعه (١).
وهذه الرّواية بقرينة قوله « تنزيله وتأويله والناسخ منه والمنسوخ » الذي هو بدل عن الضمير في قوله « جمعه وكتبه » وكذلك سائر الرّوايات الواردة في الباب تدلّ على أنّ القرآن الذي جمعه أمير المؤمنين كان تفسيراً للقرآن وشرحاً لمعاني آياته ومواقع بيّناته لا أنّه كان فيه زيادة على هذه الآيات الموجودة أو تغيير.
وأمّا الأمر الأوّل فقد وردت روايات صريحة طائفة منها أنّ القرآن جمع على عهد أبي بكر ، وصريحة طائفة اخرى منها أنّ الجمع كان على عهد عمر ، وظاهر طائفة ثالثة منها أنّه كان في زمن عثمان فهي متناقضة في أنفسها فلا يمكن الاعتماد على شيء منها ، ولعلّ صدورها من باب تكثير المناقب كما مرّت الإشارة إليه سابقاً.
هذا ـ مضافاً إلى أنّ المستفاد من بعض الرّوايات أنّ عثمان إنّما أمر بجمع القرآن لحمل الناس على القراءة بوجه واحد ، وهي القراءة المشهورة بين الناس ( كما أشرنا إليه سابقاً ) ، والمنع عن القراءات الاخرى ، لا أنّه جمع الآيات والسور في مصحف ، ففعل ما لم يفعل في زمن النبي صلىاللهعليهوآله ، واختلاف القراءات لم يكن مقصوراً على مجرّد اختلاف الاعراب والحركات بل يعمّ التغيير لبعض الكلمات أيضاً كما روي أنّ عمر كان يقرأ في سورة الجمعة : « فامضوا » بدلاً عن قوله تعالى : « واسعوا ».
ففي بحار الأنوار عن البخاري والترمذي عن الزهري عن أنس بن مالك : « أنّ حذيفة بن اليمان قدم على عثمان وكان يغازي أهل الشام في فتح ارمينية وآذربيجان مع أهل العراق ، فأفزع حذيفة اختلافهم في القرآن فقال حذيفة لعثمان : إدرك هذه الامّة قبل أن يختلفوا في الكتاب اختلاف اليهود والنصارى ، فأرسل عثمان إلى حفصة أن أرسلي إلينا بالصحف ، ننسخها في المصاحف ، ثمّ نردّها إليك فأرسلت بها إليه فأمر زيد بن ثابت وعبدالله بن الزبير وسعيد بن العاص وعبدالرحمن بن الحارث بن هشام فنسخوها في المصاحف ، وقال عثمان للرهط القرشيّين : إذا اختلفتم أنتم وزيد بن ثابت في شيء من القرآن فاكتبوه بلسان قريش فإنّما نزل بلسانهم ففعلوا حتّى إذا نسخوا الصحف في المصاحف ، ردّ عثمان الصحف إلى حفصة ،
__________________
(١) بحار الأنوار : ج ٩٢ ، ص ٤٠ ، الطبع الحديث ، وج ١٩ ، ص ١١ ، الطبع القديم ، وكتاب سليم بن قيس : ص ٨١.