تهذيب الاصول ) (١) ، وحاصله : إنّ مقتضى القواعد اللفظية سببية كلّ شرط للجزاء مستقلاً ، ومقتضاه تعدّد اشتغال الذمّة بفعل الجزاء ، ولا يعقل تعدّد الاشتغال إلاّمع تعدّد المشتغل به فإنّ السبب الأوّل سبب تامّ في اشتغال ذمّة المكلّف بإيجاد الجزاء ، والسبب الثاني إن أثّر ثانياً وجب أن يكون أثره اشتغالاً آخر ، لأنّ تأثير المتأخّر في المتقدّم غير معقول ، وتعدّد الاشتغال مع وحدة الفعل المشتغل به ذاتاً ووجوداً غير معقول ، وإن لم يؤثّر يجب أن يستند إمّا إلى فقد المقتضي أو وجود المانع ، والكلّ منتفٍ لأنّ ظاهر القضيّة الشرطيّة سببية الشرط مطلقاً ، والمحلّ قابل للتأثير ، والمكلّف قادر على الامتثال فأي مانع من التنجّز؟ ( انتهى ، وسيأتي الجواب عنه ).
الوجه الرابع : أنّه ليس حال الأسباب الشرعيّة إلاّكالأسباب العقليّة ، فكما أنّه يجب تحقّق الطبيعة في ضمن فردين على تقدير تكرّر علّة وجودها وقابليتها للتكرار ، فكذا يتعدّد اشتغال الذمّة بتعدّد أسبابه.
أقول : إنّ هذين الوجهين أيضاً يرجعان عند التأمّل إلى قبول ظهور القضيّة الشرطيّة في الحدوث عند الحدوث فعلاً لا اقتضاءً ، فالجواب هو الجواب ، ولا حاجة إلى تكراره.
إلى هنا ثبت عدم تمام وجه من الوجوه الأربعة التي استدلّ بها على عدم التداخل.
وهيهنا وجهان آخران :
أحدهما : ما أفاده المحقّق النائيني رحمهالله واستحسنه في المحاضرات (٢) بقوله : « ولشيخنا الاستاذ قدسسره في المقام كلام وهو في غاية الصحّة والجودة » ، وهو يتمّ ببيان أمرين حاصلهما : أنّ القضيّة الشرطيّة ظاهرة في الانحلال وتعدّد الطلب لأنّها ترجع إلى القضيّة الحقيقة ، ولا إشكال في أنّ الحكم في القضيّة الحقيقة ينحلّ بانحلال موضوعه إلى أحكام متعدّدة ، هذا أوّلاً.
وثانياً : أنّ مقتضى تعدّد القضيّة الشرطيّة في نفسها تعدّد الطلب أيضاً لأنّ تعلّق الطلب بشيء لا يقتضي إلاّ إيجاد ذلك الشيء خارجاً ونقض عدمه المطلق ، وإذا فرض تعلّق طلبين بماهيّة واحدة كان مقتضى كلّ منهما إيجاد تلك الماهيّة فيكون المطلوب في الحقيقة هو إيجادها ونقض عدمها مرّتين كما هو الحال في تعلّق إرادتين تكوينيتين بماهيّة واحدة ، فإذا فرض ظهور
__________________
(١) تهذيب الاصول : ج ١ ، ص ٤٤١ ـ ٤٤٢ ، طبعة جماعة المدرّسين.
(٢) المحاضرات : ج ٥ ، ص ١١٨.