نعم ، هذا كلّه فيما إذا قلنا بجريان الاستصحاب في الشبهات الحكميّة ، وسيأتي في مبحث الاستصحاب إن شاء الله أنّ المختار خلافاً للمشهور عدمه ، وحينئذٍ تصل النوبة إلى أصالة الإباحة ( كلّ شيء لك حلال حتّى تعرف أنّه حرام ) ولا إشكال في جريانها في الشبهات الحكمية ، أو إلى البراءة العقليّة.
ولكن هذا كلّه فيما إذا كانت الآية من أمثلة النزاع في ما نحن فيه ، أي كان اختلاف القراءة فيها موجباً لاختلاف المعنى والحكم ، مع أنّه أوّل الكلام ، لأنّه لقائل أن يقول : أنّ قوله تعالى :
« يطهرن » على كلا الوجهين يكون بمعنى النقاء عن الدم لأنّ كون « يطهرن » على الوجه الثاني ( أي كونها من باب التفعّل ) مبني على اعتبار كون الفعل اختياريّاً في باب التفعّل والمطاوعة لأنّه بناءً على هذا الاعتبار لا يمكن أن يكون يطهّرن ( بالتشديد ) بمعنى النقاء لعدم كونه من الأفعال الاختياريّة بخلاف معنى الاغتسال.
لكن لا دليل على هذا الاعتبار ، بل كثيراً مّا يدخل في باب التفعّل ما لا يكون اختياريّاً كما في قوله تعالى : ( وَإِنَّ مِنْ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهَارُ ) وقوله تعالى : ( تَقَطَّعَتْ بِهِمْ الْأَسْبَابُ ). مضافاً إلى وجود قرينتين في الآية على كون « يطهرن » بمعنى النقاء : إحديهما : كلمة المحيض وأنّها موجبة لوجوب الاعتزال لأنّ الحيض بمعنى سيلان الدم ، والتطهّر من الحيض يساوق عدم السيلان وانقطاع الدم. الثانية وحدة السياق فإنّها تقتضي كون الغاية في الجملة الاولى ( ولا تقربوهنّ حتّى يطهرن ) والشرط في الجملة الثانية ( فإذا تطهّرن فأتوهنّ ) بمعنى واحد ، وحيث إن « تطهّرن » في الجملة الثانية بمعنى النقاء بلا إشكال فلتكن « يطهرن » في ما نحن فيه أيضاً بهذا المعنى.
ثمّ ليعلم أنّ لهذه المسألة في الفقه روايات خاصّة عديدة ، بعضها تدلّ على جواز الوقاع قبل الغسل وبعضها تدلّ على عدم الجواز ومقتضى الجمع بينهما هو الجواز مع الكراهة ، والكراهة الشديدة إذا لم تغسل الموضع.
بقي هنا شيء :
وهو أنّه كيف يجمع بين القول باختلاف القراءات مع سرايته إلى المعنى أحياناً وبين وعده تعالى بحفظ القرآن في آية الحفظ؟