حينئذٍ العطف بـ « أو » مع أنّه عطف بالواو ، وهو ظاهر في مطلق الجمع ، ولازمه التفسير والتوضيح.
٥ ـ قوله تعالى : ( مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى ) دليل آخر على المقصود ، حيث إنّه يدلّ على أنّ الكلام في الضلالة بعد الهداية ، فيوجب ظهور قوله : « ويتّبع ... » في كونه تفسيراً لاتّباع الضلالة بعد تبيّن الهداية.
فظهر من مجموع هذه القرائن والشواهد أنّ الآية لا دخل لها بالإجماع في الأحكام الفرعيّة ، بل ناظرة إلى المسائل الاصوليّة ( اصول الدين ).
وهيهنا آيات اخر استدلّوا بها على حجّية الإجماع أيضاً ، منها قوله تعالى : ( وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً ) (١) بتقريب أنّ الوسط هو العدل والخير ، والعدل أو الخير لا يصدر عنه إلاّ الحقّ ، والإجماع صادر عن هذه الامّة العدول الخيار فليكن حقّاً.
والجواب عنها واضح ، لأنّ المراد من الوسط هو الاعتدال والسلامة من طرفي الإفراط والتفريط ، ولا إشكال في أنّ هذه الامّة بالنسبة إلى أهل الكتاب والمشركين على هذا الوصف فإنّ بعضهم وهم المشركون والوثنيّون مالوا إلى تقوية جانب الجسم محضاً لا يريدون إلاّ الحياة الدنيا ، وبعضهم كالنصارى اهتمّوا بتقوية جانب الروح لا يدعون إلاّ الرهبانيّة ، لكن الله سبحانه جعل هذه الامّة وسطاً وجعل لهم ديناً يهدي إلى وسط الطرفين لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء ، كما يهدي إلى أنّه لا تعطيل ولا تشبيه ولا جبر ولا تفويض.
ومعنى « شهداء على الناس » أنّ هذه الامّة لكونها وسطاً يمكن لها أن تكون شهيدة على سائر الامم الواقعة في طرفي الإفراط والتفريط ، واسوة ومثالاً لهم يقاس ويوزن بها كلّ من الطرفين ، كما أنّ النبي صلىاللهعليهوآله هو الاسوة والمثال الأكمل لهذا الامّة وميزان يوزن به حال الآحاد من الامّة.
فإذا كان هذا هو معنى الآية فلا ربط لها بمسألة الإجماع في الأحكام الفرعيّة كما هو ظاهر ، مضافاً إلى أنّ الامّة عام إفرادي يشمل آحاد الامّة فيكون كلّ واحد من الامّة شاهداً
__________________
(١) سورة البقرة : الآية ١٤٣.