وشهيداً ، ولازم هذا الاستدلال حينئذٍ أن يكون كلّ فرد من أفراد الامّة معصوماً عن الخطأ ، وهو كما ترى.
ولو سلّم كونها عاماً مجموعياً ، أي كان النظر إلى الامّة من حيث إنّها امّة فغاية ما تقتضيه الآية هي إثبات العدالة لها لا العصمة ، والذي ينفع في المقام إنّما هو إثبات العصمة لا العدالة لتتمّ كاشفيتها عن الواقع.
ومنها قوله تعالى : ( كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْراً لَهُمْ مِنْهُمْ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمْ الْفَاسِقُونَ ) (١).
بتقريب أنّ الله تعالى وصف الامّة في هذه الآية بأنّها خير الامّة وأنّها تأمر بالمعروف وتنهي عن المنكر ، فلا يجوز أن يقع منها الخطأ ، لأنّ ذلك يخرجها عن كونها خياراً ويخرجها عن كونها آمرة بالمعروف وناهيّة عن المنكر.
وفيه : أنّه لا ملازمة بين عدم جواز وقوع الخطأ وبين كونهم خياراً ، لأنّ الخيار قد يقع منهم الخطأ وإن كانوا معذورين ، كما هو الشأن في غير المعصومين من العدول فإنّه يقال : إنّ الشيخ الأعظم الأنصاري رحمهالله مثلاً من الخيار أو أنّ أبا ذر رضى الله عنه كان من خيار الامّة مع عدم كونهما معصومين.
ومنها قوله تعالى : ( وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعاً وَلَا تَفَرَّقُوا ) (٢) بتقريب أنّ الإجماع حبل الله فيجب الاعتصام به ولا يجوز التفرّق عنه.
وفيه أوّلاً : أنّ الآية تأمر بإيجاد الاتّحاد بين المسلمين ، والاتّحاد شيء وقبول كلّ رأي وعقيدة تعبّداً شيء آخر ، ولا ملازمة بينهما.
ثانياً : دلالة الآية على المدّعى موقوفة على أن يكون الإجماع مصداقاً لمفهوم حبل الله ، مع أنّ من الواضح أنّ الحكم لا يثبت موضوعه ، بل تدلّ على لزوم الاعتصام بحبل ثبت كونه حبل الله تعالى بدليل آخر.
هذا كلّه من ناحية استدلالهم بالكتاب وقد عرفت أنّها تكلّفات بعيدة وتشبّثات واهيّة.
وأمّا السنّة : فاستدلّوا منها بحديث نبوي نقل بطرق مختلفة على مضامين متفاوتة ، فنقل
__________________
(١) سورة آل عمران : الآية ١١٠.
(٢) سورة آل عمران : الآية ١٠٣.