المشاهدات الخارجيّة ربّما تورث له إرتكازاً وفطرة ، فإذا خوطب بخطابين ظاهرهما كون الموضوع فيه من قبيل العلل والأسباب فلا محالة ينتقل منه إلى أنّ كلّ واحد يقتضي مسبّباً غير ما يقتضيه الآخر ... هذا كلّه راجع إلى المقدّمة الالوى أعني فرض استقلال كلّ شرط في التأثير ، ولكنّها وحدها لا تفيد شيئاً بل لابدّ من إثبات المقدّمة الثانية ، وهي أنّ أثر الثاني غير أثر الأوّل ، ولقائل أن يمنع هذه المقدّمة لأنّ غاية ما تلزم من الاولى من استقلالهما في التأثير هي إنّ الوجوب الآتي من قبل النوم غير الآتي من قبل الآخر ، وذلك لا يوجب إلاّتعدّد الوجوب لا تعدّد الواجب ، بل يمكن أن يستكشف من وحدة المتعلّق كون ثانيهما تأكيداً للأوّل ولا يوجب التأكيد استعمال اللفظ في غير معناه لأنّ معناه وضع الأمر للوجوب هو وضعها لإيجاد بعث ناشٍ من الإرادة الحتمية ، والأوامر التأكيديّة مستعملة كذلك ... نعم حمل الأمر على التأكيد يوجب ارتفاع التأسيس ، وهو خلاف ظاهر الأمر ، لكنّه ظهور لا يعارض إطلاق المادّة والشرطيّة ، فإذا دار الأمر بين رفع اليد عن أحد الإطلاقين ورفع اليد عن التأسيس لا ريب في أولويّة الثاني ... » (١).
أقول : العمدة في كلامه الفقرة الا خيرة منه حيث ينبغي أن نلاحظها ونبحث فيها ـ وهي « إنّ ظهور إطلاق المادّة مقدّم على ظهور الهيئة في التأسيس » وهي محالا يمكن المساعدة عليه ، لأنّ الظهور اللفظي يمنع من انعقاد الإطلاق فإنّ من مقدّماته عدم البيان ، والظهور اللفظي يعدّ بياناً ، وحينئذٍ يقدّم الظهور في التأسيس على إطلاق المادّة ، وعليه تثبت المقدّمة الثانية أيضاً فيثبت المطلوب ، وهو عدم التداخل.
هذا ـ مضافاً إلى أنّ كلامه أيضاً مبني على ظهور القضيّة الشرطيّة في التأثير الفعلي وقد مرّ كراراً المناقشة فيه ، كما مرّ أيضاً إنّه لو فرضنا ظهورها في التأثير الفعلي فهو يعارض مع ظهور الجزاء في الوحدة فيتساقطان ، والنتيجة حينئذٍ إجمال القضيتين معاً فتصل النوبة حينئذٍ إلى الأصل العملي ، وهو في المقام يقتضي نتيجة التداخل كما مرّ فتأمّل.
التنبيه الثالث : قد يفصّل في المسألة بين ما إذا كان الشرطان مختلفين بحسب الجنس وما إذا كانا من جنس واحد ، ويقال بالتداخل في الثاني دون الأوّل.
__________________
(١) تهذيب الاصول : ج ١ ، ص ٤٤٣ ـ ٤٤٥ ، طبع جماعة المدرسين.