وأجاب عنه شيخنا الأعظم الأنصاري رحمهالله بدعوى أنّه لو عزلنا بمقدار المعلوم بالإجمال من أطراف الصغير ، أي الأخبار الموجودة في الكتب المعتبرة ، وضممنا الباقي إلى باقي الأطراف من العلم الإجمالي الكبير ( أي سائر الأمارات الظنّية ) لكان العلم الإجمالي باقياً ، وهذا دليل على عدم انحلاله.
ولكن شيخنا العلاّمة الحائري رحمهالله في الدرر قال : بعدم صحّة هذه الدعوى ( دعوى الشيخ رحمهالله ) واعتبر لعدم الانحلال المذكور وجود علم إجمالي آخر بالنسبة إلى سائر الأمارات وإليك نصّ كلامه : « ومن المعلوم عدم صحّة هذه الدعوى إلاّبعد العلم بالتكاليف زائدة على المقدار المعلوم في الأخبار الصادرة إذ لولا ذلك لما حصل العلم بعد عزل طائفة من الأخبار لإمكان كون المعلوم بتمامه في تلك الطائفة التي عزلناها ... إلى أن قال : نعم يمكن منع العلم زائداً على ما حصل لنا من الأخبار الصادرة » (١).
أقول : الإنصاف صحّة دعوى الشيخ رحمهالله في بيان ما هو المعيار في تشخيص ما هو من أطراف العلم الإجمالي والمعرفة بعدم انحلاله ، إذ لا حاجة إلى ملاحظة سائر الأمارات مستقلاً وعلى حدّها بل يمكن أن لا يحصل العلم الإجمالي بملاحظتها مستقلاً ولكنّه يحصل بعد الضمّ من باب تراكم الظنون وعدم كونه من قبيل ضمّ العدم إلى العدم.
ويؤيّد هذا ما أفاده المحقّق النائيني رحمهالله في المقام وحاصله : إنّ هيهنا علوم إجماليّة ثلاثه : العلم الإجمالي الأكبر ، والعلم الإجمالي الكبير ، والعلم الإجمالي الصغير ، والمراد بالعلم الإجمالي الأكبر ما كان دائرة احتمال انطباق المعلوم بالإجمال مطلق مظنون التكليف الإلزامي ومشكوكه وموهومه سواء كان منشأ هذه الاحتمالات هي الأخبار الموجودة في الكتب المعتبرة أو سائر الأمارات الظنّية أو شيء آخر ، والمراد بالعلم الإجمالي الكبير هو ما كان أطرافه خصوص الأمارات الظنّية ، والمراد بالعلم الإجمالي الصغير هو خصوص ما كان أطرافه موجودة في الكتب المعتبرة ، والصحيح هو أنّ الإجمالي الأكبر ينحلّ بالكبير لأنّه لو عزلنا بمقدار المعلوم بالإجمال عن أطراف العلم الإجمالي الكبير وضممنا الباقي إلى باقي أطراف العلم الإجمالي الأكبر الذي أطرافه عبارة عن جميع ما هو مظنون الحرمة والوجوب
__________________
(١) درر الفوائد : ج ٢ ، ص ٣٩٦ ، طبع جماعة المدرّسين.