المفسدة كأكل الربا ليس فيه ضرر دنيوي بل هو ذو منفعة ، وكم من شيء ذو المصلحة كالصدقة ليس فيها نفع دنيوي.
ثانيهما : أنّه قد تكون المصلحة أو المفسدة في نفس إنشاء الأمر أو النهي لا في متعلّقهما ، والملازمة بين الظنّ بالحكم أو الظنّ بالمفسدة أو فوات المصلحة مبنية على حصر المصالح والمفاسد في متعلّقات التكاليف لأنه إذا كانتا في نفس الجعل فهما حاصلتان بنفس الجعل ولا ربط لهما بمخالفة العبد وموافقته للحكم المظنون.
أقول : كلا الوجهين غير تامّ ، أمّا الوجه الأوّل : فلأنّه لا إشكال في وجود الملازمة العاديّة بين المصلحة والمفسدة وبين النفع والضرر أمّا عاجلاً أو آجلاً وفي طول الزمان ، ومن تأمّل في آثار الربا كيف يمكن أن يشكّ في الأضرار والخسارات الناشئة منها في المجتمع ، كما أنّ من تأمّل في تأثير الإنفاق في حفظ المجتمع عن البغضاء والفساد والعدوان على الأموال والأنفس لا يشكّ في ترتّب هذه الامور على ترك الإنفاق وشبهها ، وقد قال الله تبارك وتعالى : ( وَأَنفِقُوا فِي سَبِيلِ اللهِ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ ) (١) وكذلك في سائر الواجبات والمحرّمات ، ومن الواضح أنّ منافع الفرد لا تنفكّ عن منافع المجتمع ، وإن شئت مزيد توضيح لذلك فراجع ما كتبنا في تنبيهات قاعدة لا ضرر من القواعد الفقهيّة.
وأمّا الوجه الثاني : فلأنّه وإن كان ممكناً عقلاً وفي مقام الثبوت ولكن قد لا يمكن الحصول على مصداق واحد ممّا تكون المصلحة أو المفسدة في نفس جعله إثباتاً في أحكام الشرع ، وعليه يبقى الظنّ بوجود المفسدة أو تفويت المصلحة في متعلّق الحكم على حاله.
فظهر أنّه بالنسبة إلى الضرر الدنيوي تكون الصغرى تامّة فلا بدّ من البحث في الكبرى فنقول :
يمكن إنكار الكبرى في الضرر الدنيوي في الجملة في صورة العلم بالضرر فضلاً عن صورة الظنّ والاحتمال ، فلا يحكم العقل بالقبح في مورد الضرر الدنيوي مطلقاً بل إنّما يحكم به فيما إذا كان الضرر كثيراً هامّاً كالإنتحار وقطع عضو من الأعضاء ، وأمّا في المضارّ الجزئيّة كالضرر الموجود في التدخين وفي الإكثار من الأكل فليس حكم العقل بالقبح ثابتاً فيها ، نعم بالنسبة
__________________
(١) سورة البقرة : الآية ١٩٥.