إذا عرفت هذا فلا بدّ من البحث عن صحّة كلّ واحدة من المقدّمات وعدمها فنقول : أمّا المقدّمة الاولى : فأورد عليها المحقّق الخراساني رحمهالله بحقّ بأنّ أصل العلم الإجمالي بوجود تكاليف كثيرة وإن كان بديهياً إلاّ أنّه ينحلّ إلى دائرة صغيرة وهي الأخبار الموجودة في الكتب المعتبرة لأنّ المقدار المعلوم في العلم الإجمالي الكبير موجود فيها ، ومعه لا موجب للاحتياط إلاّ في نفس الرّوايات.
وأمّا المقدّمة الثانية : أي انسداد باب العلم والعلمي إلى معظم الأحكام فاجيب عنه بأنّه وإن كان معلوماً بالنسبة إلى انسداد باب العلم إلاّ أنّه بالنسبة إلى انسداد باب العلمي إلى معظم الأحكام غير ثابت لما تقدّم من نهوض الأدلّة على حجّية خبر يوثق بصدوره ولو لم يكن الراوي عدلاً بل ثقة ، ومثل هذا الخبر كثير وافٍ بحمد الله بمعظم الفقه.
وأمّا المقدّمة الثالثة : أي عدم جواز الإهمال فقد ذكر لإثباتها ثلاثة وجوه :
أحدها : الإجماع على عدم جواز الإهمال ، إن قلت : الإجماع هو اتّفاق الكلّ مع أنّ أكثر العلماء يقولون بانفتاح باب العلم أو العلمي.
قلنا : المراد من الإجماع هو الإجماع التقديري لا التحقيقي ، والمراد بالإجماع التقديري هو أنّه لو فرضنا انسداد باب العلم والعلمي عند الأكثر لما خالف أحد منهم في عدم جواز الإهمال.
ثانيهما : حكم العقل بتنجّز العلم الإجمالي ووجوب الاحتياط في مورده.
ثالثها : لزوم الخروج عن الدين لأنّ إهمال معظم الأحكام مستلزم له ومن المعلوم أنّ الشارع راغب عنه.
أقول : التامّ من هذه الوجوه الثلاثة هو الأخيران ، أي تنجّز العلم الإجمالي واستلزام الخروج عن الدين ، وأمّا الوجه الأوّل أي الإجماع فضعفه واضح لأنّ الإجماع هنا مدركي.
إن قلت : ( بالنسبة إلى الوجه الثاني وهو تنجّز العلم الإجمالي ) ، سيأتي في محلّه أنّ العلم الإجمالي ينحلّ بحصول الاضطرار بالنسبة إلى بعض أطرافه ، وبما أن الاحتياط في جميع الوقائع المشتبهة مخلّ بالنظام أو سبب للمشقّة المجوّزة للاقتحام في بعض الأطراف ، فيكون المقام من موارد الاضطرار إلى بعض الأطراف فلا يكون العلم الإجمالي منجزاً فيه.
قلنا : الصحيح في الجواب أنّ الاضطرار إنّما يوجب الانحلال فيما إذا كان المضطرّ إليه بمقدار