دون عسر ولا شيء آخر ، ولا تقاس بالفروع العمليّة المطلوب فيها مطابقة عمل الجوارح مع الواقع لأنّ الفروع العمليّة إذا انسدّ باب العلم فيها لا يمكن العلم بمطابقة عمل الجوارح مع الواقع إلاّبالاحتياط التامّ في الشبهات ، وهذا ما يوجب العسر ، فلا يجب شرعاً ، أو يوجب الإخلال بالنظام فيحرم عقلاً ، وحينئذٍ لا شيء أقرب إلى الواقع من العمل على وفق الظنّ.
القسم الثاني : ما يعلم بوجوب تحصيل العلم به تفصيلاً على المكلّف بحكم العقل ثمّ الاعتقاد به وعقد القلب عليه وهو كما في التوحيد والنبوّة والإمامة والمعاد.
ففي هذا القسم لا ينبغي التأمّل في عدم جواز الاكتفاء بالظنّ ، لأنّ الواجب عقلاً وشرعاً إنّما هو المعرفة ، والظنّ ليس بمعرفة قطعاً ، فلا بدّ من تحصيل العلم لو أمكن ، ومع العجز عنه يصير معذوراً ، ولا دليل حينئذٍ على جريان مقدّمات الانسداد ، أي لا استقلال للعقل بوجوب تحصيل الظنّ مع اليأس عن تحصيل العلم في المقام ، لو لم نقل باستقلاله بعدم وجوبه بل بعدم جوازه.
القسم الثالث : ما يشكّ في وجوب المعرفة التفصيلية به وعدمه ، فأصالة البراءة من وجوبها محكّمة ( ولا تختصّ أصالة البراءة بالفروع العمليّة لعموم أدلّتها ) ، وحينئذٍ لا معنى لجريان مقدّمات الانسداد.
إن قلت : المرجع عند الشكّ هو عموم وجوب المعرفة المستفاد من قوله تعالى : ( وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِي ) (١) الذي فسّرت العبادة فيه بالمعرفة ، وقوله صلىاللهعليهوآله : « ما أعلم شيئاً بعد المعرفة أفضل من هذه الصّلاة » (٢) وعمومات وجوب التفقّه وطلب العلم من الآيات والرّوايات.
قلنا : لا دلالة لشيء ممّا ذكر من الآيات والرّوايات بالعموم على وجوب المعرفة في جميع المسائل الاعتقاديّة تفصيلاً.
أمّا قوله تعالى : « وما خلقت » فلأنّ المستفاد منه هو خصوص معرفة الله لا معرفة من سواه ، وأمّا النبوي المذكور فلأنّه في مقام بيان فضيلة الصّلاة وأهميّتها ولا يستفاد منه إطلاق ولا عموم لوجوب المعرفة.
__________________
(١) سورة الذاريات : الآية ٥٦.
(٢) وسائل الشيعة : الباب ١٠ ، من أبواب أعداد الفرائض ونوافلها ، ح ١.