لغفلة أو لغموضة المطلب مع قلّة الإستعداد ، بخلاف ما إذا كان عن تقصير في الاجتهاد والفحص فليس معذوراً بلا ريب.
لكن ربّما يتوهّم أنّه لا يتصوّر هنا العجز عن قصور ، وذلك لقوله تعالى : ( وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا ) (١) لدلالته على انفتاح الطريق في جميع الحالات ، والطريق هو الجهاد في سبيل الوصول إلى الحقّ ، فقد وعد الله تعالى في هذه الآية أنّ كلّ من جاهد في الحقّ وتفحّص عنه يهتدي إلى سبيل الهداية ويصل إلى مطلوبه وهو الحقّ ، وأكّد على ذلك بتأكيدات عديدة من اللام والنون الواردين في قوله تعالى « لنهدينّهم » وفعل المضارع الدالّ على الاستمرار.
وأجاب بعضهم عن هذا بأنّه ليس المراد من المجاهدة الواردة في الآية النظر والاجتهاد في تحصيل العلم والمعرفة بل هو المجاهدة مع النفس التي هي أكبر من الجهاد مع الكفّار فالآية أجنبية عن المقام.
أقول : قد ذكر في كتب التفاسير في معنى الجهاد الوارد في الآية احتمالات ثلاثة :
أحدها : أنّ المراد منه هو الجهاد مع الكفّار فيكون المعنى « والذين جاهدوا مع عدوّنا لنهدينّهم سبل الفتح والظفر ».
والثاني : أنّ المراد هو الجهاد مع النفس أي العدوّ النفساني كما مرّ.
الثالث : الجهاد في سبيل المعرفة ، أي الجهاد العلمي في قبال الجهاد الأخلاقي والعسكري ، ( وقد وقع الخلط في بعض الكلمات حيث أورد فيها في مقام تفسير الآية بحث فلسفي معروف ، وهو ما قال به بعض الفلاسفة من أنّه ليس التفكّر وسيلة للعلم بل أنّه يوجب استعداد النفس لإفاضة الصور العلمية عليها وقبولها من جانب الفيّاض المطلق ).
قلت : الإنصاف أنّه لا دليل ولا قرينة على تقييد الآية وتحديد مفاد كلمة الجهاد فيها بمعنى خاصّ من المعاني الثلاثة بل مقتضى إطلاقها شمولها لجميع الثلاثة ، فيبقى الإشكال على حاله خصوصاً مع الالتفات إلى ما نشاهده بوجداننا في كثير من الناس من القصور وعدم التقصير في سبيل معرفة الله بين النصارى واليهود وسائر المذاهب وفي سبيل معرفة الإمام بين غير العارفين.
__________________
(١) سورة العنكبوت : الآية ٦٩.