وأمّا الدلالة فأوّلاً : أنّها إنّما ترتبط بمحلّ الكلام إذا كان المراد من الرؤية في قوله « ما رأوا » الرؤية الظنّية ، والإنصاف أنّ نفس كلمة الرؤية ظاهرة في العلم والقطع ولا فرق في هذه الجهة بين الرؤية القلبيّة والرؤية بالبصر.
وثانياً : قد يرى التهافت بين صدر الحديث وذيله ، لأنّ الذيل ظاهر في أنّ المسلمين إذا رأوا حسناً فهو عند الله حسن مع أنّ صدره يختصّ بخصوص الصحابة.
أمّا الإجماع : فقد ادّعوا أنّه توجد مسائل لا دليل عليها غير الإجماع على الاستحسان ولا تدخل تحت عنوان من العناوين الفقهيّة من العقود والإيقاعات كإجماع الامّة على استحسانهم دخول الحمام وشرب الماء من أيدي السائقين من غير تقدير لزمان المكث وتقدير الماء بالاجرة فلا يدخل شيء منهما تحت العناوين المعروفة من العقود الشرعيّة ، وفي فوائد الرحموت مثّل له بمسألة الاصطناع ، فيطلب من النجّار أو الكفّاش مثلاً اصطناع باب أو نعلين من دون تقدير للوزن أو القيمة ، كما يمكن التمثيل لها في عصرنا هذا بركوب السيارة من دون تقدير للُاجرة.
لكن يرد على الإجماع هذا أوّلاً : أنّه قائم على هذه الأحكام بالخصوص لا على استحسانها ، وهو في الواقع ليس إجماعاً في المصطلح بل سيرة مستمرّة إلى زمن النبي صلىاللهعليهوآله ( لو ثبتت السيرة ) قامت على هذه الأحكام.
وثانياً : أنّه يمكن إدخال هذه الأحكام تحت عناوين معروفة في فقهنا الثابتة بالأدلّة المعتبرة ، فيدخل المثال الأوّل والثاني في عنوان الإباحة مع الضمان الذي له مصاديق كثيرة في الفقه وكذلك مثال ركوب السيارة.
يبقى مثال الاصطناع ، وهو أيضاً يدخل في عنوان البيع ، كما إذا اشترى الأبواب على نحو الكلّي في الذمّة ، نعم أنّه ليس داخلاً في عقد من العقود إذا ذكر للنجّار خصوصيّات للباب ووعده أن يشتري منه فيما بعد ، لكن قد يدخل هذا أيضاً في قاعدة لا ضرر إذا لم يوجد من يشتري ذلك الباب مع تلك الخصوصيّات فيجب على الواعد جبران الخسارة.
هذا في الأدلّة التي استدلّوا بها أنفسهم على حجّية الاستحسان ، ويمكن أيضاً أن يستدلّ لهم بدليل عقلي ، وهو الانسداد حيث إنّه في صورة الانسداد لا يكون الظنّ القياسي كافياً لهم بل لابدّ من التعدّي إلى الظنّ الاستحساني.