أحدهما : أنّ المراد منه هو قول الناس ، الثاني : أنّ المراد هو آيات القرآن الكريم ، فقد إحتمل المعنى الثاني بعض المفسّرين ببيان أنّ القرآن مشتمل على مستحبّات وواجبات ومكروهات ومباحات ، والواجبات والمستحبّات أحسن من المكروهات والمباحات ، وعباد الله تعالى يتّبعون الواجبات والمستحبّات ، وهذا هو المراد باتّباع الأحسن ، فإن كان هذا هو المراد من الآية فلا دخل لها بما نحن بصدده وهي أجنبية عنه.
وأمّا المعنى الأوّل فلازمه أنّ عباد الله يتّبعون أحسن أقوال الناس ، فإنّها تنقسم إلى الحقّ والباطل ، ومن الناس من يدعوا إلى الجود والسخاء مثلاً ، ومنهم من يدعوا إلى البخل والإقتار.
وعباد الله يتّبعون الأحسن منهما وهو الجود والإيثار ، وحينئذٍ إن قلنا بأنّ المراد من الأحسن هو الأحسن في نظر الشارع فلا ربط للآية أيضاً بمحلّ البحث ، وإن كان المراد منه الأحسن في نظر العقل فهو داخل في المستقلاّت العقليّة ولا يشمل موارد الظنّ.
هذا كلّه بالنسبة إلى الآية الاولى.
أمّا الآية الثانية فلها أيضاً تفسيران : أحدهما : أنّ المراد من الأحسن هو أحسن الآيات التي أُنزل إليكم ، وحينئذٍ لا ربط أيضاً لها بالمقام.
ثانيهما : أنّ المراد منه القرآن وإنّه أحسن من التوراة والإنجيل وغيرهما من الكتب السماويّة وهذا أيضاً لا دخل له بما هو محلّ النزاع كما هو واضح.
هذا كلّه هو الاستدلال بالآيات.
أمّا السنّة : فقد روي عن ابن مسعود أنّه قال : « إنّ الله نظر في قلوب العباد فوجد قلب محمّد صلىاللهعليهوآله خير قلوب العباد فاصطفاه لنفسه فبعثه برسالته ثمّ نظر في قلوب العباد بعد قلب محمّد صلىاللهعليهوآله فوجد قلوب أصحابه خير قلوب العباد فجعلهم وزراء لنبيّه يقاتلون على دينه ، فما رأى المسلمون حسناً فهو عند الله حسن ، وما رأوا سيّئاً فهو عند الله سييء » (١).
وهذه الرّواية غير تامّة سنداً ودلالة أمّا السند : فهي موقوفة ( أي موقوفة على ابن مسعود ولم يروها أحد عن رسول الله صلىاللهعليهوآله ) فليست بحجّة.
__________________
(١) مسند أحمد : ج ١ ، ص ٣٧٩.